Wednesday, September 29, 2010

!الفتنة النائمة


بقلم إستير ابيحائل
  
ا" الفتنة نائمة، لعن الله من ايقظها" -- حديث، يقول علماء المسلمون انه ضعيف،  إلا ان الإسلاميين قد استطاعوا بمهارة فائقة من إستخدامه في تشكيل ثقافة الخوف بين الشعوب التي غمروها بمفاهيمهم وثقافتهم ...  فقد صور لنا الإسلاميون ان الفتنة   اقوى وأشد من القتل.. فهم يصفون الفتنة كمنيصف الأشخاص. فيقولون انها تغضب وتهدأ، تنام وتستيقظ، تضرب وتنتقم وتقتل، ولايسألها احد عما تفعل! قال عنها العالم الإسلامي، الدكتور سليم العوا  "في زمن الفتنة لا يسمعوا للعقلاء" .. فهي تفرض سيطرتها على حامليها بعد ان تزج بهم في منطقة اللا شعوروتسلبهم ارادتهم. يتكلم الإسلاميون عن الفتنة وكأنها غول يهدأ وينام في صدورهم طالما أطاعهم الناس وثم يستيقظ ليحرق الأرض وما عليها اذا ما خالفهم احداً. يقول لنا الإسلامييون انهم يحملون بين صدورهم غول رهيب، وانهم لايملكون تهدئته. فقد القوا بمسؤلية تهدئة غول الفتنة وإستيقاظه على اكتاف الأقليات غير المسلمة..فإذا اطاعوا تنام الفتنة وإن هم عصوا تستيقظ الفتنة لتحرق الأخضر مع اليابس.. وامعاناً في تخويفنا قالوا لنا اننا اذا ازعجنا الفتنة فإنها تقوم لتفترسنا، و تدمر ممتلكاتنا وتهتك اعراضنا. قالوا ان " الفتنة" تستقيظ إذا خالفنا ما شرطوا علينا من شروط الآمان، تقوم لتأخذ الآمان منا!! الخيار لنا، فإذا اردنا ان ننعم بالسلام علينا ان لا نُحدث "اي لا نبني" في مدينتنا كنيسة. ايضاً لا نجدد ما خرب من كنائسنا، فصوت خراب الكنائس لا يزعج نومها، ولكنه صوت بنائها يفزعها من نومها. وحتى يقوم الإسلاميين بواجبهم الإنساني الرحيم .. اعطونا قائمة مزعجات الفتنة! القائمة طويلة فيها التحذير من ان يرد على دين الإسلام بالتكذيب وفيها التحذير من مولاة أعداء الإسلام، ومنها عرفنا ما يجب ان يكون عليه لباسنا، وكيف نقرع نواقيسنا وكيف ندفن موتانا. ويقول الإسلاميون ان محاولة الإستنجاد من الفتنة (أوالإستقواء)  بالخارج سوف تزيد هذا الوحش القاتل هياجاناً. وعلى العقلاء ان يدعوا الفتنة نائمة لأننا نحن واياهم وبيننا غول الفتنة موجودون داخال أسوار عالية لن يفلح معها العالم الحر في الوصول الينا ولا لأصواتنا الوصول اليه    
وهكذا فنحن امام غول لا يقبل بغير قتلنا او ابقاءنا على الصغار. فإذا رفضنا الصغار، تنزع الفتنة بيد من تسكن صدورهم ما كان لنا من آمان في أرضنا وتعطي لهم منا ما كان لهم من اهل العناد!! فغول الفتنة نائم تحت خدمة الإسلامين ويعود لتشرسه كلما خالفهم اواعترضهم احد. الفتنة لا تشفي غليلها من الأقباط فحسب  ولكنها تستيقظ كلما عارض احدهم الإسلاميين. فقد تقوم الفتنة على من ارتد عن الإسلام او على من فسره بغير ما يفسره الإسلاميين

قصة "الفتنة النائمة" لم تحظى بعد بلقب "الأسطورة" الذي حظت به قصة "الأميرة النائمة"، رغم انها قصة اغرب من الخيال. ولم تحظى ايضا القصة بلقب "التاريخ المظلم" الذي حظت به قصة الصليبيين رغم انها اكثر ظلاماً من العصور الوسطى. يبدو ان الفتنة مازالت قصة حقيقية يعيشها المصريون، يعانون منها، يكتبون عنها، بعضهم يهدد بها و البعض الآخر يخافها، ويعملون لها الف حساب،  ويطرحها الإسلامييون على مائدة الحوار القبطي الإسلامي كشرط من شروط النسيج الواحد ويجاوبهم الأقباط عنها. يحملها الإسلاميون وزر جرائمهم ويقف الأقباط امامها في حيرة من نفسهم   

الفتنة النائمة ليست خيال ولم تصبح بعد تاريخ فهي واقع نعيشه. الفتنة التي تنام في صدر الإنسان لا ترفع منه بل انها تصّغرنفس حاملها قبل ان تتمكن من سلب إرادته واستخدامة بالطريقة التي تحلو لها. فها هي تدمر حامليها تاركةً اياهم بين نيران الحقد والكره والوهم والتخلف. نراها تشق الصف و تبث الكره. نراها تضر بصاحبها بقدر ما تضر بالآخر 
فالفتنة توهم صاحبها بانه يملك الحقيقة المطلقة فيعيش في وهم يعجزه عن توسيع افقه وقبول الآخر
الفتنة لا تدرك ان لصاحبها حدود لا يجوزله تجاوزها، وهي لا تدرك ان الشخص الآخر له فرديته وحريته وهو ليس من ملحقات حاملها
الفتنة تفرض على الآخرالتعاون معها دون الإلتفات لمشاعر هذا الآخر واحتياجاته 
الفتنة تعتمتد على ضعف الآخر الذي لا يقدر على المقاومة
الفتنة تطلب ممن تعتدي عليهم ان يكنّوا لها الإمتنان لانها ابقتهم احياء 
الفتنة تعمل بميكانيكية الجماعية البدائية، فهي تتجاهل وجود الفرد و ترجع تصرفاته للجماعة فالفرد ياخذ قيمته من انتمائه للجماعة وليس من ابدعاته و تفوقه او من نقصه وانحلال سلوكه
الفتنة تحمِّل من تعتدي عليهم مسؤلية اعتدائها عليهم
الفتنة تضرب بحرية الإنسان واحترامه لنفسه و لغيره عرض الحائط
الفتنة تسلب حاملها عقله و عقلانيته، تفقده علمه و تعلمه تفقده مشاعر الرحمة الإنسانية و الأُخوة و الإخاء
  
ما هي خيارات غير المسلمين امام اطروحة الفتنة؟
لابد من الإشارة إلى ان الفتنة تطرح خياراتها بعد ان ينتهي دود خيارات الجهاد
فالخيار يبدأ بالإختيار بين دخول الإسلام،و بين القتال والهرب إلى خارج البلاد ، أوالذمة. ثم بعد ذلك تأتي الفتنة لتطرح خياراتها على من تبقى من المواطنين الذين لم يهربوا ولم يقتلوا   
هذه هي خيارات الوحدة الوطنية كما تطرحها "الفتنة"٠
الإختيار الأول: أن يقبل الأقباط "الذمييون" التنازل عن حقوقهم في مقابل آمانهم والتحامهم باخوتهم في الوطن؟  وأن تتراجع الكنيسة عن المطالبة بمساواة الأقباط مع المسلمين أمام القانون فكما قالت الدكتورة الشيخة سعاد صالح في تأكيدها بعدم امكانية اعتلاء القبطي لمنصب رئيس الجمهورية "لا ولاية لغير المسلم على المسلم". وان لا يجاوب المسيحيين اتهام القرآن لهم بالكفر والنجاسة ولا يدافعوا عن إيمانهم فيما كذبه القرآن، حتى لا تهدم كنائسهم. وأن يرضى الأقباط بالوظائف الأدنى في الدولة حتى لا تخطف نساؤهم  ويعتدى عليهن؟ و أن ينفذ قداسة البابا شنودة حكماً مدنياً يقضي بإجبارالكنيسة بالقيام بطقوس دينية مخالفة للعقيدة المسيحية حتى لا يُهدر دم الأقباط؟
الإختيار الثاني: هو أن تستمرالكنيسة القبطية والأقباط في مطالبهم العادلة بالمساواة  وبحرية اعتناق الدين وممارسته في العلن. وأن يصر قداسة البابا على رفضه لتدخل القضاء في العقيدة المسيحية وكيفية ممارسة طقوصها. و ان يواصل الأقباط مطالبتهم بان تحمى اعراضهم وممتلكاتهم من هجمات الإسلاميين المفتونين. وأن يرفض قداسة البابا الخضوع للتهديد والترهيب من هذا الغول الشرس الساكن في قلوب الإسلاميين 
 اذا اخذ الأقباط باختيار الفتنة الأول يعيشوا في بلدهم صاغرون مذلولون واذا أخذوا باختيار الفتنة الثاني .. أفلن يدفعون ثمناً قد يفوق ما يملكون؟

هل من المعقول ان تكون الفتنة النائمة طرح من اطروحات مسألة الوحدة الوطنية؟

هل يعقل ان تجادل حقوق غير المسلمين في القرن الواحد والعشرين بمفاهيم الفتنة التي تنام وتستيقظ على هوى الإسلاميين؟ كيف نضع الأقليات أمام إختياريين افضلهم ان تُسلب حريتهم والآخر أن يقتلوا و تؤخذ نسائهم مع غنائم المسلمين؟  كيف نقبل مفهوم العقوبة الجماعية التي تنزلها الفتنة على كل الأقباط عندما يخالف فرداً منهم شروط الإسلاميين؟ كيف نتحاور مع غول لم يسمع في حياته عن مواثيق حقوق الإنسان ولا يهمه الإنسان وحقوقه؟ الى متى نحمِّل الفتنة مسؤلية اخفاقنا في قبول التعددية وإحترام فردية الإنسان

محاولة معالجة قضية وطنية كقضية حقوق الأقباط - والاقليات المعارضة للإسلاميين -- كالمتنصرين والقرآنيين والبهائيين والعلمانيين - في داخل اطار الوحدة الوطنية والنسيج الواحد من منظور "الفتنة النائمة" الذي كان السبب في المكانة الأولى في معاناة الأقليات وردهم عن حقوقهم الدستورية لن يقدم حلا للمعايشة السلمية بين ابناء الوطن الواحد..الفتنة تمد يد قوية لظلم الأقليات وتبث الخوف في قلوبهم، وتعمل على صغر نفوسهم مما يصعب معه بناء الشعوب.. فالشعوب تبنى بإحترام الفرد وإنسانيته، ووحدتها تستمد حياتها من بالصدق والعدل والمساوة امام القانون  
  الفتنة بمعطياتها المقدمة من الإتجاه الإسلامي لا يمكن ان تقدم خيراً للوطن وللمواطنين بل انها تعمل على استضعاف خيوط النسيج الأقل تبيناً. الفتنة النائمة ظلم، ووجودها على طاولة المدوالات القبطية الإسلامية فيه إمعان في ظلمهم وتخويفهم واستضعافهم.  الظلم شر، والشر لا يبني نفس الإنسان، فالظالم والمظلوم كلاهما يقعان ضحية الكره، والقتل، والانقسامات، ويبقى الوطن المنقسم حبيساً للتخلف والفقر والبؤس.. "الفتنة النائمة" وقود يشعل نارالظلم في قلوب الأقباط ونارالكره في قلوب المسلمين

لنطرح نحن ايضاً خياراتنا

امامنا اختيارات أٌخرى عديدة غير تلك الخيارات التي تقدمها لنا الفتنة. اول هذه الخيارات هي ان نختاران لا نصدق اننا امام خيارين لا ثالث لهما
لنا ان نختار ان نطرح الخوف خارجاً
أن  نرفض الشعور بالإمتنان للفتنة التي لم تفتك بنا بعد
أن نتكلم و لا نصمت
 أن نرفض أن يكون الطريق الوحيد للوحدة الوطنية هو اذلالنا
أن نرفض تحمُّل مسؤلية الجرائم التي ترتكبها الفتنة
 أن نلفظ الفتنة و كل ما بها من كره و دمار وقتل  
نحن نملك خيار المصالحة التي ستقدم السلام المبني على العدل والمساواة واحترام فردية الإنسان
نحن نملك انفسنا ونملك أن لا ندع مفاهيم الفتنة تمتلكنا  
نحن نملك ان نأمر الفتنة بأن تحمل عصاها على كاهلها وترحل عن أرض مصر بلا رجعة
   

1 comment:

  1. الاخت الفاضلة أستير ..............................
    لقد استطعت تشخيص الحالة بدقة شديدة، ويجب علينا جميعا تطبيق خياراتنا بمنتهى القوة، والا ..فالفتنة سوف تقوم بعملها .

    ReplyDelete

ارجو الإلتزام بالموضوعية في التعليق على المواضيع المطروحة .. ارجو مراعاة عدم استخدام الالفاظ النابية .. كما ارجو ان تتجنب الردود الانفعالية .. اعتذر عن عدم نشر التعليقات الخارجة عن الالتزام بالموضوعية و احترام الأشخاص