Thursday, April 21, 2011

محتقر ومخذول من الناس .. رجل أوجاع ..ومختبر الحزن... ولكن



بقلم إستير أبيحائل



أخذت من نبوة اشعياء النبي التي تنبأ بها عن المسيح ربنا والهنا عنواناً لمكتوبي هذا، لما في هذه النبوة من قوة تطلق الإنسان حراً من سجون، قضبانها مصنوعة من الشعور بالرفض والدونية، وجدرانها مبنية باحجار الأفضلية والتسلط والتسيد، وأبوابها لا تفتح بغير الإنتقام العنف والتعدي

عندما يدخل الشعور بالرفض  إلى الإنسان، يشعره بالعزلة والدونية .. فيحس الإنسان انه أقل شأناً من غيره ..او انه شخص لا قيمة له، فوجوده و عدمه لا يؤثران سلبا ولا إيجاباً على الآخرين .. فها هم  أطفال الحارة يلعبون وكلما اراد هو أن يشاركهم نبذوه بحجة انه لا يجيد لعب الكرة .. وها هن الفتيات يضحكن بصوت عالي  ولكن عندما تقترب هي اليهن، يسودهن الصمت ويتركن المكان، وتبقى هي منفردة تشعر بغصة ألم في حلقومها تكاد ان تخقها ... وهذا الذي جاء لأمه وكله فرح وتطلع للمستقبل يخبرها انه وبنت الجيران اتفقا على الزواج، ثم اظلمت الدنيا في عينه وهو يستمع لكلمات أمه التي تقول له بحزم .. اذا اتجوزتها، لا انت ابني ولا اعرفك.. وهذا الذي يجلس بمفرده من بعيد يراقب الأولاد وهم يتحادثون و يلعبون في المدرسة، فكل محاولاته لايجاد صديق واحد قد بائت بالفشل بعد ان عرف الجميع انه لا أب له ... هذا الشعور بالرفض يولد في داخل حامله شعور بالخوف من تكرار الرفض فيبدأ الإنسان بمعاداة الآخرين او الإبتداء برفضهم ليحمي نفسة من رفضهم له.. وإذا تكرر الرفض في حياة الشخص، أو اذا تعرض لرفض شديد كاد ان يقضي على حياته، كمحاولة قتله او تخلي والديه عنه،  يولد فيه شعور بالغضب الشديد والإنتقام وقد يتحول إلى إنسان منتقم عدائي عنيف .. ويخرج الكره والإنتقام والعنف من دائرة الإنسان الصغيرة إلى دائرة المجتمع الكبير اذا ما وجد الشخص الذي عانى من رفض متكرر وشديد مكانة للقيادة او للرئاسة     

 حياة المسيح يسوع ربنا ومخلصنا، كحياة الكثير من القادة السياسيين والدينيين، كانت حياة مليئة بالرفض المتكرر والشديد. فقد لاحقه هيرودس بالتهديد بالقتل منذ نعومة اظافره،  وبالرغم من انه مكتوب عنه انه "جال يصنع خيراً".. يشفي المرضى، ويغفر الخطايا، ويقيم الموتى، ويعلم المجتمع ان لا يرفض الخطاة وأن لا ينبذوا الضعفاء في وسطهم، إلا اننا نقرأ على صفحات الكتاب المقدس، انه اضطر لترك المكان لانهم كانوا يريدون ان يقتلوه.. في مرة آخرى نقرأ أن جمع من أفراد عائلته، في مدينة الناصرة، إمتلؤا غضباً، وقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل ليطرحوه إلى أسفل.. اتهمه أقرباؤه بأنه مختل العقل .. رؤساء الكهنة اجتمعوا ليرجموه.. تلميذه خانه.. تلميذه الآخر انكره .. ضربه القوم وبصقوا عليه  .. وأخذوا يسخرون منه.. أتهمه اليهود والرومان ظلماً وحكم عليه بالصلب، لينهي حياته على الأرض بابشع نوع من أنواع التعذيب والقتل الذي عرفتهم الإنسانية  
 لقد عاش المسيح يسوع  له كل المجد، حياة جديرة بأن تصنع منه رجل عنيف، شرس، منتقم،  كما صنعت احداث مشابه في حياة  قادة سياسيين ودينيين آخرين، فولدت فيهم كره الاخريين ورفضهم والانتقام منهم والشراسة في معاملتهم 
ولكن المسيح له كل المجد رفض الدخول إلى دائرة الشعور بالرفض ومنتجاته ..  رفض الناس له لم يفلح في زرع بذار الكره والإنتقام والحقد والعداء بداخله  
ولكن نتاجاً عكسياً قد ظهر في المسيح المرفوض .  المسيح لم يستجب للشعور بالرفض ولم يشعر بالعزلة، ولم يكره رافضيه ولم يحاول الإنتقام منهم، ولم يتعدى على حقوق الناس، ولم يرفضهم، ولم يأمر تلاميذه بقتلهم أو بالإنتقام منهم، بل صرخ من فوق الصليب من اجل رافضيه  "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون" .. هم سجناء كرههم ورفضهم وعنفهم، وهو له كل المجد  يعلن لبشريته من فوق الصليب  ان لنا مكان في جنب المسيح الذي طعنته ايادينا .. بقيامته من الأموات فتح المسيح ابواب سجون الرفض والكره والانتقام والعنف واطلقنا في حرية مجد اولاد الله لنحب ونقبل ونحترم فردية الناس ولا نعتدي على حرياتهم  

السارق لا ياتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك. وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل.  أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو اجير وليس راعيا الذي ليست الخراف له فيرى الذئب مقبلا ويترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويبددها. والأجير يهرب لانه أجير ولا يبالي بالخراف. اما انا فاني الراعي الصالح ( انجيل يوحنا ١٠: ١٠ - ١٤)٠  

اشكر د. مارك ديوري الذي شق لنا طريقا جديداً بكتاباته في هذا الموضوع


Wednesday, April 6, 2011

كاميليا جزء من قصة شعب

بقلم إستير أبيحائل


الفصل الأول: الكاهن ينظر لاختفاء زوجته بنظرة اختطاف القبطيات واسلمتهن

 كاميليا سيدة قبطية مسيحية في منتصف عقدها الثالث،  تتمتع بقدر من الجمال والشجاعة والحضور. شاءت الأقدار ان تعيش كاميليا وزوجها الكاهن أبونا تداوس وابنها الصغير أنطون في مدينة ديرمواس، إحدى مدن محافظة المنيا في صعيد مصر٠

 تبدو الحياة وكأنها طبيعية هادئة في ديرمواس، فشوارع القرى والنجوع بديرمواس مكتظة بعدد هائل من السكان الذين يعيشون حياتهم بطريقة عادية، مثل أي بلد في ربوع مصر، يذهبون لاشغالهم ولقضاء حاجياتهم.. يضحكون ويبكون، والأطفال يلعبون في الشوارع والأزقة. وكاميليا، مثل باقي الناس، تذهب لعملها ولشراء حاجيتها  بينما يتنقل زوجها بين قرى ونجوع المدينة ليتفقد المريض والحزين ويعضد المحتاج٠ 
ورغم أن الحياة تسير بشكل طبيعي في الواجهة، إلا انه في الداخل يكمن شبح جريمة خطيرة ومنظمة، ضحاياها من النساء القبطيات الاتي يخطفن ويعتدى عليهن ويجبرن على إعتناق الإسلام وعلى الزواج بمسلمين ضد رغبتهن. وإذا تمكنت إحدى الضحايا من الهرب، يلاحقها المجرمون بتهمة الردة عن الإسلام ٠
      
في إحدى الأمسيات خرجت كاميليا شحاتة من منزلها كعادتها ولكنها لم ترجع لمنزلها كعادتها .. لانعرف لماذا لم ترجع كاميليا، ربما كانت على خلاف مع زوجها، امر قد يحدث احياناً بين الأزواج في جميع بقاع العالم. ولكن الأمر لم يكن طبيعيا مع كاميليا.. فعندما رجع زوجها الكاهن تداوس سمعان إلى المنزل ولم يجد زوجته حاول الإتصال بمحمولها دون جدوى، أسرع بالإتصال بمنزل أهلها وأقاربها لعلها ذهبت لزيارتهم، ولكن كل من اتصل به اكد له ان كاميليا لم تكن طرفه.. إنزعج الرجل أشد الإنزعاج وسرعان ما حاوطه شبح الجريمة المنظمة التي تأخذ ضحاياها من النساء القبطيات.. ويبدو ان زوجات الكهنة لهم قيمة أعلى عند الجناة٠

 لا أدري اذا كان أبونا تداوس قد قرأ التقرير المقدم من منظمة التضامن المسيحي العالمي بالإشتراك مع المؤسسة القبطية لحقوق الإنسان الذي  سجل الاف الحالات من إختفاء النساء القبطيات وإجبارهن على إعتناق الإسلام والزواج من المسلمين ضد رغبتهن، ولا أعلم إذا كان أبونا تداوس قد تابع برنامج سؤال جريء وملأته المخاوف على زوجته وهو يتذكر ما قالته انجي عادل وهي منهارة تبكي وتحكي عن بشاعة الإعتداء عليها، أوتكون رعشة قد سرت بداخله لما إسترجع ما قصته أمل -من خلال البرنامج نفسه- عن الجرائم ضد الإنسانية  التي مكن لها أو إرتكبها رجال أمن الدولة ضد العديد من الفتيات القبطيات بغرض أسلمتهن. لا أدري إن كان الكاهن تداوس قد قرأ كتاب مذكرات شيطان والذي كشف فيه عضو سابق في الجماعات الإسلامية عن التخطيط  الإجرامي البشع لجريمة خطف القبطيات٠

ربما قد قرأ أبونا كل هذا أو بعضه، وربما قد سمع من شهود عيان عن الجريمة المنظمة و قسوة مرتكبيها، ومعاناة ضحاياها، فمن الواضح انه كان مدركاً للخطر المحيط بالنساء القبطيات اللاتي أصبحن هدفا لجريمة من ابشع الجرائم المنظمة٠

وينتهي الفصل الأول من القصة بمنظرأبونا تداوس وهو في غاية القلق، وقد ذهب إلى قسم الشرطة ليحرر محضراً بغياب زوجته وهو يشير بأصبع الإتهام إلى الجريمة المنظمة التي تأخذ مكانها كل يوم ضد النساء القبطيات ظان أن زوجته قد اصبحت من ضحايا الجريمة٠

الفصل الثاني: الشعب القبطي ينظر لإختفاء زوجة الكاهن بنظرة اختطاف القبطيات وأسلمتهن

 فور إنتشار خبرإختفاء السيدة كاميليا شحاتة ثارأقباط ديرمواس ثورة عارمة،  فإختفاء سيدة قبطية، وخاصةًً إذا كانت هذه السيدة زوجة كاهن، يمس صميم قيم الشرف عندهم ويطال من يعتبرونها أُماً روحية لهم. أكتظت الأوتوبيسات باعداد كبيرة من أقباط دير مواس، وصحبهم لأول مرة عدد كبير من الكهنة الأقباط وذهبوا إلى القاهرة ليسجلوا وقفة إحتجاجية على هذه الجريمة البشعة التي ترتكب ضد كاميليا شحاته، ولم تكن كامليا شحاتة إلا إسم قبطي ورمزاً دينياً يجسد المأساة القديمة الجديدة لخطف القبطيات٠

 ومن ناحية اخرى قام أسقف الايبارشية الأنبا أغابيوس بالإتصال بالأجهزة الأمنية لحثهم على سرعة العثور على زوجة الأب الكاهن ويبدوا انه هو ايضا كان منساقاً بشبح جرائم خطف القبطيات٠

 وفي نفس الوقت تحركت بعض جمعيات حقوق الإنسان المهتمة بقضية الاتجار بالبشر والتي تمارس ضد القبطيات، فأصدر مركز الكلمة لحقوق الإنسان بالقاهرة بياناً أعرب فيه عن قلقة الشديد لتنامي ظاهرة إختفاء الفتيات القبطيات مشيراً إلى تزايد الشكاوي من حالات الإختفاء  بين السيدات القبطيات ولم يستبعد المركز ان تكون كاميليا شحاتة قد تحولت إلى إحدى ضحايا تلك الجريمة البشعة٠
        
وينتهي الفصل الثاني من القصة والأقباط ثائرون يعتقدون أن كاميليا قد سقطت ضحية لعملية خطف وإعتداء وأسلمة جبرية، غير مباليين بالحقائق الآُخرى والتي قد تكون السبب الحقيقي وراء إختفاء السيدة كاميليا شحاتة٠   

الفصل الثالث: الإسلاميون ينظرون لإختفاء زوجة الكاهن بنظرة خطف القبطيات واسلمتهن

عثرت قوات الأمن على السيدة كاميليا شحاتة في منزل احدى قريباتها في القاهرة وتبين أن اختفائها  كان بمحض إرادتها، ولأسباب عائلية، وأن إختفاءها لم يكن جزء من الجريمة المنظمة ضد القبطيات.  قام جهاز الأمن بتسليم السيدة كاميليا شحاتة لأهلها. ولكن التصريح بأن إختفاء كاميليا كان لأسباب عائلية طبيعية، تحدث في كل اسرة، وفي كل مكان، لم يكن كافياً ليبعد شبح جريمة إختطاف القبطيات عن الإسلاميين. فراحوا يجادلون ويؤكدون انها أسلمت، ويطالبون بإظهار اختهم المسلمة كاميليا شحاتة المحتجزة في "سجون الأديرة". بل وهناك مواقع على الشبكة العنكبوتية تطلق على نفسها "موقع الأسيرة كاميليا شحاتة". وكأن اختفاء سيدة قبطية عن منزلها، وبالذات إذا كانت هذه السيدة زوجة كاهن، لابد وان يكون دليلا على إسلامها. لقد سيطر شبح الجريمة على الإسلاميين فأصبح من غير المعقول عندهم ان تختفي زوجة كاهن إلا إذا كانت قد أشهرت إسلامها٠
 واشتدت المواجهة بين الإسلاميين، وبين الأقباط الذين تعقدت مهمتهم في الدفاع عن ضحايا عمليات الإختطاف بعد أن لحقت نيران شبهة الإسلام غير المختطفات٠
  
ومع اشتداد المواجهة بين الأقباط والإسلاميين لجأت السيدة كاميليا للظهور في برنامج تسجيلي تحكي فيه بعفوية بريئة إنها لم تكن من ضحايا الإختطاف المنظم لأسلمة القبطيات، وانها لم تعتنق الإسلام، وإنها مسيحية وستظل مسيحية. ومن جانبه اكد فضيلة شيخ الأزهرأن السيدة كاميليا لم تشهر إسلامها، وأيضاً خرج علينا بعض علماء المسلمين المرموقين ليؤكدوا أن كامليا لم تشهر إسلامها٠

 وينتهي الفصل الثالث من قصة كاميليا والإسلاميون يطالبون بإسترداد اختهم المسلمة التي يحتجزها المسيحيون في سجونهم. بينما تطالب كاميليا بحماية الكنيسة، حيث ان الدولة لن تمنحها هذه الحماية، بعد أن لبستها شبهة الإسلام وشكلت خطراً شديداً على حياتها كمسيحية 
 
ولكن القصة لم تنته بعد

  قصة كاميليا هي فصل من فصول قصة معاناة الأقباط في بلدهم .. قصة يعيش الأقباط تفاصيل الامها بينما يستمتع الإسلاميون من صنعها واستطالتها وكأنها قصة من قصص ألف ليلة وليلة. في كل يوم عندما يدرك شهرزاد الصباح تسكت عن الكلام المباح، ولكنها تعود في الليلة التالية لتشبع فضول الملك شهريار الذي كله آذان صاغية في انتظار ان يعرف المذيد٠

يبدو أن فصول ألف ليلة وليلة التي يكتبها الإسلاميون بدماء الأقباط واعراضهم لن تنتهي في مصر قريباً، فكاميليا قصة من ضمن الكثير من القصص..  والناس مايزالوا مغيبون وكأنهم لا يعيشون هذه المأساة الإنسانية وهم يجوزون بثورة بها مختلف التيارات، ستحدد مصيرهم لأجيال قادمة ٠
صراحةً لقد سئمنا هذه القصص التي تنتهك حق ابطالها في اعتناق ما يريدون من الأديان، سئمنا جرائم الإسلاميين اللذين يجدون لأنفسهم حقاً فيما يعتقد الناس، ويتمادون الى حد فرض الإعتقاد على من قال انه لا يعتقد، ويوقعون العقوبات على من يرتد عن ما اعتقد٠

مصر تحتاج إلى اناس مخلصين يكتبون لنا قصة مصر الحديثة المتحضرة ، التي تؤمن بالحرية والعدل واحترام فردية الإنسان والديمقراطية، ويرفضون الطائفية والتمييز الديني والعرقي لعلنا نصل إلى خاتمة سعيدة لقصة مصر، تليق بمجدها العظيم عوضاً عن المسلسل الكئيب الذي نعيشه الآن٠

ويا رب إرحم٠٠

 أتقدم بالشكرالجزيل لأُستاذي الفاضل منير بشاي على كل ما قدمه لي من نصح  وارشاد