Sunday, June 20, 2010

الحسد


الحسد 

بقلم إستير أبيحائل


“Envy is the daughter of pride, the author of murder and revenge, the begetter of secret sedition, the perpetual tormenter of virtue. Envy is the filthy slime of the soul; a venom, a poison, a quicksilver, which consumeth the flesh and drieth up the bones.”
 الحسد هو وليد الكبرياء ، هو مؤلف القتل و الإنتقام ، هو منجب الفتنة الخفية ، هو المعذب الدائم للأخلاق الحميدة. الحسد هو الوحل القذر الذي تسقط فيه النفس ; هو سم يسمم،  محلول زئبقي يأكل الأجساد و يجفف العظام"٠
سقراط--

لماذا اكتب عن الحسد ؟؟ و هل للكلام عن الحسد مكانا في سياق دراستي و كتاباتي عن الحريات و احترام فردية الإنسان و اهمية التعددية في المجتمع؟؟
اسئلة راودتني عندما بدأت ارى الحسد و هو يعس فسادا في وسطنا .. عندما رايته يتغذى على الافراد و ينقص من كفائاتهم .. و يستسري في المجتمع و يضعف مسار شعبنا .. و كلما اعمقت النظر في الحسد كلما ذادت قناعتي بان الحسد هواحد اعظم معطلات الحريات و احترام فردية الإنسان و التعددية في المجتمع .. و اخيرا و بعد محاورات كثيرة مع نفسي وصراع كثير مع قلمي .. قررت مواجهة ذلك المفسد     
 
عندما كنت في سن الطفولة و مقتبل الشباب  كنت احسب الحسد غول اسود ، لا يمكننا رؤيته بالعين المجردة ، و لكنه يخرج من عيون بعض الناس الاشرار ليصيب الاشياء رائعة الجمال و الناس بالآذى الجسيم  .. لا اذكر اني اخذت مفهومي هذا من الاساطير الخرافية التي كانت جدتي تقصها لي .. بل ترسخ هذا المفهوم عندي من مماراسات و من ثقافة المجتمع من حولي .. فكنت ارى كثيراً من الناس يخافون من الحسد .. فقد اتابع حديثا تلفزيونيا مع احد الأغنياء و اجده يرفض بشدة ان يبوح عن حجم ثروته .. خوفا من الحسد! أو ادخل الى محل تجاري ناجح جدا فأجد صاحبه يجلس على كرسي وقد علق خلفه على الحائط قطع من الحجارة الزرقاء أوحبيبات من الزجاج الأزرق - سيئ الصنع - لأنه يخاف من الحسد!! و كلما لبست فستانا انيقا اسمع القول "ربنا يحفظك من الحسد"٠

و لكن عندما وصلت إلى سن النضوج وتوسعت خبرتي بالناس من حولي وامتدت معرفتي بما يدور في داخل نفسي وتوسع بحثي و درايتي، اكتشفت ان الحسد ليس هو ذلك الغول الاسود الذي يخرج من عيون الحساد .. و لكنه مرض خبيث من امراض النفس  .. مرض يصيب الناس في نفوسهم و لا يصيبهم في اموالهم و اجسادهم ..كما قال سقراط "الحسد هو وحل قذر .. سم يسمم .. هو مؤلف القتل و الانتقام"  ..  عرفت ان الحسد يصيب الفقير و الغني.. المتعلم و الجاهل .. الأبيض و الأسود .. الافريقي و الأمريكي.. و عرفت انه يأخذ لنفسه مسكناً في افكارالناس و في و قلوبهم .. و عرفت ان الحسد لا يصيب المحسود بالاذى ، انما هو يتغذى و يترعرع على دمار نفس حامله... قد تظن انك لم تعاني من هذا الفكر الخبيث .. قد لا تفطن لوجوده في داخلك .. و هذا لا يعني بالضرورة انك خالي من هذا الخبيث.. كل ما في الأمر ان هذا السم يجيد الاختفاءء في دواخلنا فلا ندرك وجوده .. نتجرعه دون ان ندرك وجوده ودون ان ندك حقنا في التخلص منه
   
الحسد كما يعرفه علماء النفس هو تمني زوال الخير من الآخر بدافع الحسرة على النفس .. وهو لا يتوقف عند هذا الحد بل يذهب الى الرغبة في اقتلاع الخير من الغير و امتلاكة .. و هذه ليست نهاية الحسد .. فالحسد يجد راحة في ضرر الآخر! .. و اذا ما اعطى الإنسان ايجابا للحسد، يسرع الحسد لتسخير كفائة هذا الانسان لتدميرالآخر و نفسه

 قد تقول .. "الحمد لله انا ما بحسدش حد!"  .. انتظر قليلاً من فضلك ..انتظري سيدتي .. دعني اعرض عليكم عوارض الحسد اولا ... فالحسد هو غصة المرار التي تشعر بها في داخلك عند سماع خبر تفوق منافسك .. هو ذلك الشعور بالحسرة على نفسك .. الحسد هو تنهد الراحة -الغير مقصود - الذي يأتي من داخلك عند وقوع ضرر او فشل عند الآخر 
 
 خلط الكثيرين بين الحسد و الغيرة رغم انهما يختلفان  .. فالغيرة تشارك الحسد في كثيرمن المرار ..  الغيرة قد تمتزج ببعض الفائدة لحاملها .. فغيرة التلميذ قد تدفعه لتحقق درجات اعلى من تلميذ آخر  
الغيرة هي هذا الشعور الداخلي بالرغبة في امتلاك ما يملكه الآخر .. "يا لروعة فستانها الأحمر.. يا ليتني امتلك مثله"  أو " "يتكلم الانكليزية بطلاقة.. يا ليتني كنت مثله" أو "ربنا يفتح علينا زي ما فتح عليكم" أو " كتب مقالاً رائعاً .. تمنيت لو كانت لي كفائته"  هذه هي الغيرة ... فالغيرة تود امتلاك الشيئ المعادل لما عند الآخر .... و قد تدفع الانسان لتحسين ما عنده دون ان تتمنى انقاص تفوق الآخرين .. الغيرة لا تتمنى الضرر للآخر... من الغيرة ما هو حسن ... إلا ان الحسد يستفرد بانانية مفرطة ويجد راحة في الحاق الضرر بالآخر.. الحسد مرارته رهيبة.. كئيبة .. غبشاء .. ليس في الحسد قطرة واحدة من الحلو .. وليس فيه اي منفعة لحامله و او للجماعة 

 الحسد يريد اقتلاع الشيئ من عند الآخرين .. والحاق الضرر بهم .. الحسد هو ذلك الضيق الذي تشعر به - رغماً عنك - عندما يعلن احد زملائك خبر اعتلائه لمنصب اعلى من منصبك .. أو منصبا كنت تحلم انت باعتلائه ..الحسد هوذلك المر الذي يقول في داخلك " "خسارة فيه التعليم" .. "انت فاكر نفسك ايه .. دا انا هوريك" ... " معقول ياخدوا ده .. و يسبوني انا" أو "يدي الحلق للي بلا ودان" او " مش عارفة ايه إللي عاجبهم فيها دي .. مش شايفين وشها عامل ازاي؟" أو "اخيرا عمرها بان على وشها"  أو" هه .. حرقت الطبخة!" أو " ده خاين .. عميل .. يستاهل حرقة!".. " ليه انا؟" .. " ليه مش هو؟؟"  الحسد  يتمنى الضرر للشخص الآخر و يشفق على حال حامله .. الحسد يملأ نفس حامله بالضيق و لا يدفعه الى التفوق بل إلى تحطيم نفسة و الآخرين ..الحسد يقود الى الانقاص من انجازات الآخرين و ابالتالي من انجازات الجماعة  

   ينطلق الحسد من منطلق محدودية الأنتاج .. فالتفوق في الجماعة او المجتمع محدودة بعدد قليل .. و تفوق الواحد يترك الآخر خارج دائرة التفوق .. "الولد ده بيطلع الأول على فصله كل سنة .. ليه مافيش غيره في الفصل" ... "ما تخليهوش يكون احسن منك" .. " ليه ابنها اتفوق مع انني قمت بنفسي بعمل جميع واجبات ولدي المدرسية!!!" .. فتفوق الآخر يجلب ضررا لمن لم يتفوق ... ما تراه عند الآخر هو اخر الموجود و الموجود لا يكفي كلاكما .. الحسد يحجب فكر المصلحة المشتركة التي تحتاج إلى التعددية في التفوق .. و ينكر حق الغير في الانجاز
 
اتذكر عندما قتل قايين اخاه هابيل؟؟ لماذا لم يذهب قايين إلى الحقل و يقدم ذبيحة مرضية مثل ذبيحة اخاه؟ انه الحسد الذي سلبه تفكيره و صور له ان الله رضي عن اخاه و رفضه هو ... رغم ان الله لم يرفض قايين بل رفض ذبيحة الاثمار .. و لم  يحدد الله عدد الذبائح المقبولة ... و لكن الحسد همس  "يا أنا .. يا هو" الحسد يربك المفهوم الصحيح للعمل الجماعي و يصور للشخص ان الطريق الوحيد للنجاح هو فشل الآخر

و للحسد وجه آخر .. الحسد يستنكر حق الغير في النجاح و التفوق.. الحسد يبغي احتكار النجاح كله .. فتجدالطاهية الماهرة تستنكر على غيرها مهارة الطهي ... بل انها قد تذهب إلى تضليل صاحبتها بإعطائها مقادير خاطئة أو تتناسى ادراج بعض المواد المستخدمة في طريقة عمل احدى الأكلات   .. رئيس أو مؤسس جمعية ما يعمل في منصبه لعشرات السنين ظناً منه انه احق الناس في هذا المنصب  .. و تجد ان الحسد يسخر مهارات الكاتب الشهير أو الأديب المعروف لتحطيم موهبة جديدة ..او لتجاهلها   

هل تذكر قصة المرأة التي راحت في نوم عميق و انقلبت فوق رضيعها فمات .. فقامت في اليل و سرقت رضيع صاحبتها بينما كانت أُمه نائمة .. و لم تكتفي بذلك بل وضعت ابنها المائت على صدر صديقتها ..تقول القصة انه في ضوء النهار عرفت ام المولود العائش ان ابنها هو المولود المسروق و انه لم يمت .. و طالبت بابنها .. اشتدت المشاجرة بين السيدتين حتي اتفقتا على الذهاب الى االملك ليحكم بينهما .. تقدمت كل واحدة بدعواها في ملكية الرضيع .. فطلب الملك ان يحضروا له سيفا .. ثم قال الملك "اشْطُرُوا الطِّفْلَ الْحَيَّ إِلَى شَطْرَيْنِ، وَأَعْطَوا كُلاًّ مِنْهُمَا شَطْراً" .. فأسرعت أم الرضيع بالتنازل عن الرضيع لصديقتها في مقابل الا يموت رضيعها .... واما حاملة الحسد فقالت "لَنْ يَكُونَ لَكِ وَلاَ لِي: اشْطُرُوهُ" !! هذا هو الحسد .. مدمر للنفس و قاتل ذرية الشعوب و هو لا يكترث بان حسن اداء الآخر انما فيه فائدة للجماعة ... فاذا فقدت انا طفلي فلتفقد هي ايضا طفلها .. لماذا انا؟؟ لماذا لم يمت طفلها هي؟؟ " لتذق المر الذي ذقته انا" ٠  

قس على هذا كل الاشياء الآخري و المواقف التي مرت بك و شعرت بتلك الغصة المُرَّة التي احسست بها عندما تفوق الآخرين عليك .. عندما نظرت الى صديق ناجح في حياته العائلية و العملية و تحسرت على حظك السيئ .. الم تكن انت اكثر كفائة  من هذا الصديق؟ الم تكن انت احق بما حققه هو من نجاح في حياته الزوجية و العملية؟؟      
اتذكرالضيق الذي لم تعرف من اين جاء اليك و لكنه جائك يوم اعلن منافسك عن تعينه في منصب اعلى .. او عندما تمنيت ان يفشل العمل لانك لم تكن جزءاً منه ..هل حدث ان تنفست الصعداء عندما فشل منافسك في عمل كنت تظن انك تتقنه اكثر منه؟؟ انه الحسد الذي يقف خلف انقسام الحزب الواحد في المجتمعات الاقل تطورا ... فتجد ان احد السياسيين يقدم الشبهات حول سياسي آخر من نفس حزبه.. غير مبالياً بمصلحة الحزب في وجود العدد الأكبر من السياسيين الموهوبين 

الحسد لا يكتفي بانزال الضرر على الآخرين و لكنه يلحق ضرراً بالغاً بحامله الذي يعجز عن التحصيل و التقدم حيث يلتهي بالحسرة على نفسة و الانشغال في العمل على تحطيم الآخر .. و ينتقل الحسد من داخل الإنسان إلى خارجه و من خارج الفرد إلى المجتمع ... و إذا ما استسرى الحسد بين افراد الجماعة ينقص من تقدمهم و من قدرة هذه الجماعة في تسلق السلم الحضاري الذي يتطلب تفوق الكثيرين في شتى المجالات.. فالحقيقة هي ان تفوق الآخر به منفعة كبيرة لكل افراد المجتمع

الحسد يهرب من القلب المطمئن .. القلب الذي يعرف ان الله يحبه و يعتني به .. الحسد لا يجد مكانا في قلب يفطن ان لكل انسان مكان في قلب الله و ان لكل منا دور ليلعبه.
٠
الْقَلْبُ الْمُطْمَئِنُّ يَهَبُ أَعْضَاءَ الْجَسَدِ حَيَاةً، وَالْحَسَدُ يَنْخُرُ فِي الْعِظَامِ. امثال ١٤: ٣٠

Saturday, June 12, 2010

عندما يفشل القضاء في تحقيق العدالة


عندما يفشل القضاء في تحقيق العدالة
إستير ابيحائل


Bad laws are the worst sort of tyranny.  ~Edmund Burke
القوانين السيئة هي أسوأ نوع من انواع الاستبداد ~ مقولة لادموند بيرك 

لقد اصدرت المحكمة  الإدارية العليا المصرية حكماً نهائياً يقضي بالزام البابا شنودة بطريرك الأقباط الارثوذكس بمنح تصريح الزواج الثاني للمسيحي المطلق ... وقد اعلن البابا شنودة رفضه لتطبيق هذا الحكم الذي اعتبره تعدياً على العقيدة المسيحية و قد وجد هذا الحكم رد فعل غاضب من ملايين الأقباط و استرعى هذا الحكم وردود فعله نظر الصحافة العالمية ، و اخيراً اجتمع اكثر من ثمانين اسقفاً  للتوقيع على بياناً يقضي برفض الكنيسة لتطبيق حكم المحكمة الادارية العليا

لماذا رفض البابا شنودة بطريرك الأقباط الارثوذكس تطبيق الحكم النهائي للمحكمة الادارية العليا؟ .. وهل تعدت المحكمة الادارية سلطاتها القضائية في مراقبة العمل الاداري و حكمت فيما يختص بالممارسة الدينية للكنيسة؟ و على اي قانون استند قضاة المحكمة الدستورية العليا في حكمهم بالزام البابا شنودة بمنح تصريح الزواج الثاني للمسيحي المطلق؟ 

دعني ابدأ من حيث انتهيت في تساؤلاتي و ذلك لانه يبدو لي ان القانون المحكوم به هو لب المشكلة.. ثم اتطرق لسلطة القضاء الاداري في مراقبة اعمال الكاهن و اختم بتقديري الشديد لوقفة البابا شنودة في اعلاء العدالة و رفضه لتطبيق قانون غير دستوري و خارق لحرية الفرد في اعتناق الاديان و ممارستها   

اولاً: قانون الاحوال الشخصية يستمد قانونيته من حق المواطن الدستوري في ممارسة عقيدته الدينية .. المادة ٤٦ من الدستور المصري تنص على ان " تكفل الدولة حرية العقيدة و حرية ممارسة الشعائر الدينية" مقروءة مع المادة ٤٠ من الدستور و التي تنص على ان "المواطنون لدى القانون سواء ، و هم متساوون في الحقوق و الواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الاصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة" .. فللمواطن المصري المسيحي حق اعتناق الديانة المسيحية و حرية ممارسة الشعائر المسيحية بحسب نص الكتاب المقدس و العقيدة المسيحيية المسلمة من الاباء .. بهذا المفهوم يفوض المواطنون الاقباط للكنيسة حقهم في تقديم القوانين التي تحكم ممارستهم للشعائر الدينية و التي تتماشى مع عقيدته و تقوم الكنيسة بتقديم قانون الاحوال الشخصية الذي يتماشى مع العقيدة المسيحية للبرلمان .. بعد التأكد من تماشي القانون المقترح مع روح القانون و عدم اخلاله للدستوريقوم البرلمان -او من المفروض ان يقوم البرلمان - بإيجازة القانون لضمان حرية المواطن لمعتقده و اتباعه لضميره .. عدم اجازة قانون الاحوال الشخصية او تعطيل التعديلات المقترحة هو عمل غير دستوري و خارق للحريات
في هذه الحالة التي نحن امامها اعترضت الكنيسة على القانون المطبق و اعتبرته منافي لمعتقداتها و بل و مقيدا لحرية المسيحيين في اعتناق و ممارسة عقيدتهم التي تلزمهم بعدم الطلاق إلا لعلة الزنا و لقد اعلنت الكنيسة انها قد طالبت الدولة مرات عديدة بتعديل قانون ١٩٣٨- الذي اعتبرته خارقا لمعتقداتها الدينية - ليتماشى مع المعتقد المسيحي و الممارسة الكنسية للشعائر الدينية .. فالقانون الذي استمد قانونيته من الدستور و المنوط به الحفاظ على حقوق الاقباط و حريتهم في اتباع معتقاداتهم الدينية هو في حقيقة الأمر قانون ينتهك حقوقهم الدينية ، و يفرض عليهم اعتناق عقيدة مخالفة لعقيدتهم .. و لهذا فان حكم المحكمة الدستورية العليا المبني على قانون للاحوال الشخصية لسنة ١٩٣٨ و هو القانون الذي اعتبرته الكنيسة مخالف لاعتقادات المواطنين الأقباط المعنيين بهذا القانون يصبح اعتداءاً قانونياً ليس على المواطنين الأقباط فحسب بل يعد اعتداءاً على الدستور و على الحريات وعلى العدل. فلماذا اعتمدت المحكمة الادارية العليا في حكمها على قانون غير دستوري خارق للحريات الدينية ، لماذا لم تحيل الادارية العليا القضية للمحكمة الدستورية للفصل في دستورية القانون الذي بلغ لعلمها انه مخالف لمعتقد الكنيسة الارثوذكسية؟؟ لماذا لم يسجل لنا قضاة المحكمة الادارية العليا عدم دستورية تطبيق قانون سنة ١٩٣٨ لانه يتعارض مع معتقدات الكنيسة الارثوذكسية و انه لم يحفظ حق المواطنين المعنيين منه في ممارسة شعائرهم الدينية المنصوص عنها في كتابهم المقدس؟؟ ولماذا عممت المحكمة الادارية العليا مطالبة الشاكي في هذه القضية لتشمل جميع الاقباط ؟ ولماذا جعلت من البابا شنودة خصماً للاقباط و من نفسها وصية على عقيدتهم؟؟ تغييرالشاكي لمعتقده الديني في هذه القضية لا يوجب تغيير المؤسسة الكنسية لمعتقدها ليتماشى مع معتقد المتحول .. فالدستور يحفظ حق المتحول ويحفظ ايضا حق من لا يريد التحول .. فحق الواحد لا ينزع الحق من الآخر .. فالقاعدة القانونية تقضي بأن حق الشخص يقف عند حق الآخر و اذا رأت المحكمة ان للشاكي حق دستورياً في تكوين الاسرة لماذا اغفلت حق الكاهن الدستوري في رفض القيام بعمل ديني ضد عقيدته؟  
      
 ثانياً: بالنسبة لسلطة القضاء الاداري في مراقبة العمل الكهنوتي نقول أن العمل  التعبدي الديني الذي يقوم به الكاهن لا يخلو من المسؤلية القضائية فيما يترتب عليه هذا العمل من آثار قانونية .. عمل الكاهن الديني في تتميم الشعائر الدينية يلزمه  على التعامل مع مواطنين الدولة .. و الدولة تخول للكاهن القيام بالاعمال الادارية.. و العمل التعبدي الديني تنتج عنه حقوق قانونية  و قد ينتج عنه ضرر او منفعة قانونية للمواطنين.. فعلى الرغم من ان الكاهن الارثوذوكسي لا يعتبر موظفا عمومي بالمعنى المفهوم عن موظفي الدولة و هذا لأن الدولة لا تقوم باختياره للوظيفة و ليس لها حق محاكمته او مسائلته مهنيا وايضاً لأن الكاهن الارثوذكسي لا يتقاضى اجرا من الدولة ، إلا ان الكاهن لا يستثنى من المسائلة القانونية فيما يقوم به من اعمال قانونية تترتب عليها آثار قانونية من حقوق وواجبات و ضرر و فائدة. فالقضاء مختص بمراقبة العمل الاداري للكاهن، و مراقبة القضاء للجانب القانوني من عمل الكاهن لا تمتد إلى مراقبة اعماله التعبدية ..  فاذا زوج الكاهن سيدة متزوجة سيخضع للمسائلة القضائية .. و اذا افشى الكاهن سر عرفه بحكم عمله الديني و تسبب افشاء هذا السر في ضرر لصاحبه او لآخر يخضع الكاهن للمسائلة القضائية .. و لكن المسائلة القضائية تقف عند الناحية الادارية من عمل الكاهن و لا يحق للمحكمة التدخل في العمل الديني الذي كان مصاحباً للعمل الاداري .. ففي حالة افشاء السر يخضع الكاهن للمسائلة بشأن افشاء السر و الضرر المترتب على هذا العمل ..و لكن لا يمتد حق المحكمة إلى مسائلة الكاهن فيما يختص بقراءة الحل و كيفيته في سر الاعتراف و لا يمكن للمحكمة الادارية ان تجبر الكاهن على قراءة الحل لمواطن قبطي  .. و كذلك بالنسبة لتزويج  السيدة المتزوجة ..الكاهن يخضع للقضاء فيما قام به من توثيق لهذا العقد و لكنه لا يخضع للمسائلة القضائية فيما قام به من ممارسة للعمل الديني لتكميل سر الزيجة و لا يستطيع القضاء الاداري اجبار الكاهن على اجراء شعائر دينية لابطال هذا الزواج.
 اذا فمحكمة القضاء الاداري مختصة في مراقبة العمل القانوني للكاهن دون التدخل في العمل الديني الذي لا دراية للقاضي به. فقوانين الاحوال الشخصية لا تعطي القضاء الحق في مراقبة  العمل التعبدي(باستثناء المماراسات الدينية المخلة بالقانون و التي لا مجال لها في هذا الحديث الذي نحصره في ممارسات الكنيسة القبطية الارثوذكسية فقط) الذي يقوم به الكاهن في الصلاة و ممارسة اسرار الكنيسة  .. محاكم القضاء الاداري لا يمكن لها ان تتعدى اختصاصها في المراقبة الادارية إلي اجبار الكاهن على القيام بالشعائر الدينية و تتميم سر الزيجة أو عدمه لان هذا يدخل في حرية الكاهن في ممارسة عقيدته و اتباع تعاليم دينه و هي الحرية التي يحميها الدستور المصري و تحميها مواثيق حقوق الانسان العالمية

اخيراً و ليس آخراً: رفض البابا شنودة لتطبيق الحكم ليس فيه انقاص من شأن الحكم القضائي لأن تطبيقة لهذا الحكم فيه اهدار للعدل و لحق المواطن الدستوري في حرية العقيدة  و حرية ممارسة الشعائر الدينية .. رفض البابا شنودة لتطبيق الحكم القضائي ما هو إلا ضوئاً جديدا مسلطاً على معاناة الاقباط واهدار حقوقهم الدستورية .. القوانين يمكن ان تخطئ و تقييد الحريات .. فقوانين التفرقة العنصرية في جنوب افريقيا ليست بعيدة عن الاذهان و لكن وقفات الاحرار و تحديهم للقوانين الظالمة يجلب الحرية و العدل والتصالح و الاصلاح  
فوقفة البابا شنودة هي زرع جديد في بستان الحرية!١
    

Thursday, June 3, 2010

اسطول الحرية ام الكراهية؟
إستير ابيحائل

تعلقت انظار العالم اجمع بما اسمته تركيا اسطول الحرية الذي كان يهدف إلى فك الحصار المفروض على غزة وتجمع حول العالم آلاف المحتجين على هجوم الجيش الإسرائيلي على اسطول الحرية. وقد ركزت الصحافة العالمية على ابراز الإعتداء الإسرائيلي على نشطاء السلام
إلا ان تقريرا لقناة الجزيرة أظهر مشاهد لنشطاء السلام قبل الاعتداء الإسرائيلي و هم يهتفون هتافات الحرب الإسلامية حيث هتف النشطاء "خيبر خيبر يا يهود .." هذا الهتاف الذي نعرف كلنا تكملته .. "جيش محمد سيعود" .. و في حديث لقناة الجزيرة مع احدى ناشطات السلم قالت الناشطة "الان نحن امام احدى الحسنيين ، إما الشهادة و إما الوصول إلى غزة".. ثم قال مقدم البرنامج ان " بعض المشاركين لم يضيعوا فرصة هذا التجمع من جميع انحاء العالم للتذكير بعالمية القضية الفلسطينية و إسلاميتها" .. و يبدو ان مقدم البرنامج قد اكتفى بما نقله هو ولم يشأ نقل الحديث الأصلي .. وقد تفادى ايضاً مراسل الجزيرة اجراء مقابلة مع هؤلاء المشاركين الذين لم يضيعوا فرصة هذا التجمع و راحو يذكرون التجمع العالمي بما اسماه هو عالمية القضية الفلسطينية و إسلاميتها.. إلا انه نقل لنا صورة لاحد هؤلاء المشاركين وهو يرتدي الزي الإسلامي المتزمت ..الشيئ الذي لا يترك لنا سوى خيارا واحداً و هو الاخذ بوجهة نظر مراسل قناة الجزيرة فيما نقله لنا و المظهر الخارجي للشخص الذي اقتنص الفرصة و لم يضيعها

اعتراض نشطاء السلام على الحصارات المفروضة على الشعوب ليس جديداً .. فهو عمل عرفه الغرب على انه عمل نزيه يدعو عادة للحريات .. يقدم على هذا العمل مدنيون لا يحملون السلاح و لا يستخدمون اي نوع من انواع العنف .. و بالطبع لا ينضمون و يلجأون للتنظيمات العسكرية .. نشطاء السلام بحسب المفهوم الغربي الحضاري هم اشخاص يدعون للسلام بين الأطراف المتنازعة .. او يدعون لانهاء الظلم الواقع على فئة معينة من البشر .. لا يدعو نشطاء السلام للحروب أو للانتقام بل لانتشار العدل و السلام .. نشطاء السلام كما يعرفهم الغرب هم اشخاص عاديون من قطاعات المجتمع المدني المختلفة يدعون للمحبة و المصالحة .. هم اناس رأوا مضار الحروب و يريدون ايقافها ... نشطاء السلام لا يحضون الناس على كره الناس .. نشطاء السلام هم الاشخاص الذين يقفون امام الدبابات الحربية و هم لا يحملون من السلاح غير قضية السلم

وانا اعتقد جادة ان كثير من نشطاء السلام الذين كانو على متن زوارق اسطول الحرية هم من نشطاء السلام الحقيقي بحسب المفهوم الغربي .. إلا ان واجهة العداء الإسلامي لإسرائيل .. هتافات الحرب الإسلامية خيبر خيبر يا يهود ... التصريح بان النشطاء قد وصلوا الى إحدي الحسنيين .. و عقد قران القضية الفلسطينية على العداء الإسلامي ضد اليهود.. كل هذا بالاضافة الى مقاومة بعض نشطاء السلام للزوارق الإسرائلية بالعنف قد افقد هذه القافلة رسالة السلام و المحبة و المصالحة وجعل منها زوارق للكره و اشعال الحروب ..و بدلاً من ان يأخذ اسطول الحرية القضية الفلسطينية الإسرائيلية الى طريق السلام ذهب الى تقسيم العالم كله الى دار للإسلام و اخرى للحرب!! يا رب ارحم