Sunday, June 20, 2010

الحسد


الحسد 

بقلم إستير أبيحائل


“Envy is the daughter of pride, the author of murder and revenge, the begetter of secret sedition, the perpetual tormenter of virtue. Envy is the filthy slime of the soul; a venom, a poison, a quicksilver, which consumeth the flesh and drieth up the bones.”
 الحسد هو وليد الكبرياء ، هو مؤلف القتل و الإنتقام ، هو منجب الفتنة الخفية ، هو المعذب الدائم للأخلاق الحميدة. الحسد هو الوحل القذر الذي تسقط فيه النفس ; هو سم يسمم،  محلول زئبقي يأكل الأجساد و يجفف العظام"٠
سقراط--

لماذا اكتب عن الحسد ؟؟ و هل للكلام عن الحسد مكانا في سياق دراستي و كتاباتي عن الحريات و احترام فردية الإنسان و اهمية التعددية في المجتمع؟؟
اسئلة راودتني عندما بدأت ارى الحسد و هو يعس فسادا في وسطنا .. عندما رايته يتغذى على الافراد و ينقص من كفائاتهم .. و يستسري في المجتمع و يضعف مسار شعبنا .. و كلما اعمقت النظر في الحسد كلما ذادت قناعتي بان الحسد هواحد اعظم معطلات الحريات و احترام فردية الإنسان و التعددية في المجتمع .. و اخيرا و بعد محاورات كثيرة مع نفسي وصراع كثير مع قلمي .. قررت مواجهة ذلك المفسد     
 
عندما كنت في سن الطفولة و مقتبل الشباب  كنت احسب الحسد غول اسود ، لا يمكننا رؤيته بالعين المجردة ، و لكنه يخرج من عيون بعض الناس الاشرار ليصيب الاشياء رائعة الجمال و الناس بالآذى الجسيم  .. لا اذكر اني اخذت مفهومي هذا من الاساطير الخرافية التي كانت جدتي تقصها لي .. بل ترسخ هذا المفهوم عندي من مماراسات و من ثقافة المجتمع من حولي .. فكنت ارى كثيراً من الناس يخافون من الحسد .. فقد اتابع حديثا تلفزيونيا مع احد الأغنياء و اجده يرفض بشدة ان يبوح عن حجم ثروته .. خوفا من الحسد! أو ادخل الى محل تجاري ناجح جدا فأجد صاحبه يجلس على كرسي وقد علق خلفه على الحائط قطع من الحجارة الزرقاء أوحبيبات من الزجاج الأزرق - سيئ الصنع - لأنه يخاف من الحسد!! و كلما لبست فستانا انيقا اسمع القول "ربنا يحفظك من الحسد"٠

و لكن عندما وصلت إلى سن النضوج وتوسعت خبرتي بالناس من حولي وامتدت معرفتي بما يدور في داخل نفسي وتوسع بحثي و درايتي، اكتشفت ان الحسد ليس هو ذلك الغول الاسود الذي يخرج من عيون الحساد .. و لكنه مرض خبيث من امراض النفس  .. مرض يصيب الناس في نفوسهم و لا يصيبهم في اموالهم و اجسادهم ..كما قال سقراط "الحسد هو وحل قذر .. سم يسمم .. هو مؤلف القتل و الانتقام"  ..  عرفت ان الحسد يصيب الفقير و الغني.. المتعلم و الجاهل .. الأبيض و الأسود .. الافريقي و الأمريكي.. و عرفت انه يأخذ لنفسه مسكناً في افكارالناس و في و قلوبهم .. و عرفت ان الحسد لا يصيب المحسود بالاذى ، انما هو يتغذى و يترعرع على دمار نفس حامله... قد تظن انك لم تعاني من هذا الفكر الخبيث .. قد لا تفطن لوجوده في داخلك .. و هذا لا يعني بالضرورة انك خالي من هذا الخبيث.. كل ما في الأمر ان هذا السم يجيد الاختفاءء في دواخلنا فلا ندرك وجوده .. نتجرعه دون ان ندرك وجوده ودون ان ندك حقنا في التخلص منه
   
الحسد كما يعرفه علماء النفس هو تمني زوال الخير من الآخر بدافع الحسرة على النفس .. وهو لا يتوقف عند هذا الحد بل يذهب الى الرغبة في اقتلاع الخير من الغير و امتلاكة .. و هذه ليست نهاية الحسد .. فالحسد يجد راحة في ضرر الآخر! .. و اذا ما اعطى الإنسان ايجابا للحسد، يسرع الحسد لتسخير كفائة هذا الانسان لتدميرالآخر و نفسه

 قد تقول .. "الحمد لله انا ما بحسدش حد!"  .. انتظر قليلاً من فضلك ..انتظري سيدتي .. دعني اعرض عليكم عوارض الحسد اولا ... فالحسد هو غصة المرار التي تشعر بها في داخلك عند سماع خبر تفوق منافسك .. هو ذلك الشعور بالحسرة على نفسك .. الحسد هو تنهد الراحة -الغير مقصود - الذي يأتي من داخلك عند وقوع ضرر او فشل عند الآخر 
 
 خلط الكثيرين بين الحسد و الغيرة رغم انهما يختلفان  .. فالغيرة تشارك الحسد في كثيرمن المرار ..  الغيرة قد تمتزج ببعض الفائدة لحاملها .. فغيرة التلميذ قد تدفعه لتحقق درجات اعلى من تلميذ آخر  
الغيرة هي هذا الشعور الداخلي بالرغبة في امتلاك ما يملكه الآخر .. "يا لروعة فستانها الأحمر.. يا ليتني امتلك مثله"  أو " "يتكلم الانكليزية بطلاقة.. يا ليتني كنت مثله" أو "ربنا يفتح علينا زي ما فتح عليكم" أو " كتب مقالاً رائعاً .. تمنيت لو كانت لي كفائته"  هذه هي الغيرة ... فالغيرة تود امتلاك الشيئ المعادل لما عند الآخر .... و قد تدفع الانسان لتحسين ما عنده دون ان تتمنى انقاص تفوق الآخرين .. الغيرة لا تتمنى الضرر للآخر... من الغيرة ما هو حسن ... إلا ان الحسد يستفرد بانانية مفرطة ويجد راحة في الحاق الضرر بالآخر.. الحسد مرارته رهيبة.. كئيبة .. غبشاء .. ليس في الحسد قطرة واحدة من الحلو .. وليس فيه اي منفعة لحامله و او للجماعة 

 الحسد يريد اقتلاع الشيئ من عند الآخرين .. والحاق الضرر بهم .. الحسد هو ذلك الضيق الذي تشعر به - رغماً عنك - عندما يعلن احد زملائك خبر اعتلائه لمنصب اعلى من منصبك .. أو منصبا كنت تحلم انت باعتلائه ..الحسد هوذلك المر الذي يقول في داخلك " "خسارة فيه التعليم" .. "انت فاكر نفسك ايه .. دا انا هوريك" ... " معقول ياخدوا ده .. و يسبوني انا" أو "يدي الحلق للي بلا ودان" او " مش عارفة ايه إللي عاجبهم فيها دي .. مش شايفين وشها عامل ازاي؟" أو "اخيرا عمرها بان على وشها"  أو" هه .. حرقت الطبخة!" أو " ده خاين .. عميل .. يستاهل حرقة!".. " ليه انا؟" .. " ليه مش هو؟؟"  الحسد  يتمنى الضرر للشخص الآخر و يشفق على حال حامله .. الحسد يملأ نفس حامله بالضيق و لا يدفعه الى التفوق بل إلى تحطيم نفسة و الآخرين ..الحسد يقود الى الانقاص من انجازات الآخرين و ابالتالي من انجازات الجماعة  

   ينطلق الحسد من منطلق محدودية الأنتاج .. فالتفوق في الجماعة او المجتمع محدودة بعدد قليل .. و تفوق الواحد يترك الآخر خارج دائرة التفوق .. "الولد ده بيطلع الأول على فصله كل سنة .. ليه مافيش غيره في الفصل" ... "ما تخليهوش يكون احسن منك" .. " ليه ابنها اتفوق مع انني قمت بنفسي بعمل جميع واجبات ولدي المدرسية!!!" .. فتفوق الآخر يجلب ضررا لمن لم يتفوق ... ما تراه عند الآخر هو اخر الموجود و الموجود لا يكفي كلاكما .. الحسد يحجب فكر المصلحة المشتركة التي تحتاج إلى التعددية في التفوق .. و ينكر حق الغير في الانجاز
 
اتذكر عندما قتل قايين اخاه هابيل؟؟ لماذا لم يذهب قايين إلى الحقل و يقدم ذبيحة مرضية مثل ذبيحة اخاه؟ انه الحسد الذي سلبه تفكيره و صور له ان الله رضي عن اخاه و رفضه هو ... رغم ان الله لم يرفض قايين بل رفض ذبيحة الاثمار .. و لم  يحدد الله عدد الذبائح المقبولة ... و لكن الحسد همس  "يا أنا .. يا هو" الحسد يربك المفهوم الصحيح للعمل الجماعي و يصور للشخص ان الطريق الوحيد للنجاح هو فشل الآخر

و للحسد وجه آخر .. الحسد يستنكر حق الغير في النجاح و التفوق.. الحسد يبغي احتكار النجاح كله .. فتجدالطاهية الماهرة تستنكر على غيرها مهارة الطهي ... بل انها قد تذهب إلى تضليل صاحبتها بإعطائها مقادير خاطئة أو تتناسى ادراج بعض المواد المستخدمة في طريقة عمل احدى الأكلات   .. رئيس أو مؤسس جمعية ما يعمل في منصبه لعشرات السنين ظناً منه انه احق الناس في هذا المنصب  .. و تجد ان الحسد يسخر مهارات الكاتب الشهير أو الأديب المعروف لتحطيم موهبة جديدة ..او لتجاهلها   

هل تذكر قصة المرأة التي راحت في نوم عميق و انقلبت فوق رضيعها فمات .. فقامت في اليل و سرقت رضيع صاحبتها بينما كانت أُمه نائمة .. و لم تكتفي بذلك بل وضعت ابنها المائت على صدر صديقتها ..تقول القصة انه في ضوء النهار عرفت ام المولود العائش ان ابنها هو المولود المسروق و انه لم يمت .. و طالبت بابنها .. اشتدت المشاجرة بين السيدتين حتي اتفقتا على الذهاب الى االملك ليحكم بينهما .. تقدمت كل واحدة بدعواها في ملكية الرضيع .. فطلب الملك ان يحضروا له سيفا .. ثم قال الملك "اشْطُرُوا الطِّفْلَ الْحَيَّ إِلَى شَطْرَيْنِ، وَأَعْطَوا كُلاًّ مِنْهُمَا شَطْراً" .. فأسرعت أم الرضيع بالتنازل عن الرضيع لصديقتها في مقابل الا يموت رضيعها .... واما حاملة الحسد فقالت "لَنْ يَكُونَ لَكِ وَلاَ لِي: اشْطُرُوهُ" !! هذا هو الحسد .. مدمر للنفس و قاتل ذرية الشعوب و هو لا يكترث بان حسن اداء الآخر انما فيه فائدة للجماعة ... فاذا فقدت انا طفلي فلتفقد هي ايضا طفلها .. لماذا انا؟؟ لماذا لم يمت طفلها هي؟؟ " لتذق المر الذي ذقته انا" ٠  

قس على هذا كل الاشياء الآخري و المواقف التي مرت بك و شعرت بتلك الغصة المُرَّة التي احسست بها عندما تفوق الآخرين عليك .. عندما نظرت الى صديق ناجح في حياته العائلية و العملية و تحسرت على حظك السيئ .. الم تكن انت اكثر كفائة  من هذا الصديق؟ الم تكن انت احق بما حققه هو من نجاح في حياته الزوجية و العملية؟؟      
اتذكرالضيق الذي لم تعرف من اين جاء اليك و لكنه جائك يوم اعلن منافسك عن تعينه في منصب اعلى .. او عندما تمنيت ان يفشل العمل لانك لم تكن جزءاً منه ..هل حدث ان تنفست الصعداء عندما فشل منافسك في عمل كنت تظن انك تتقنه اكثر منه؟؟ انه الحسد الذي يقف خلف انقسام الحزب الواحد في المجتمعات الاقل تطورا ... فتجد ان احد السياسيين يقدم الشبهات حول سياسي آخر من نفس حزبه.. غير مبالياً بمصلحة الحزب في وجود العدد الأكبر من السياسيين الموهوبين 

الحسد لا يكتفي بانزال الضرر على الآخرين و لكنه يلحق ضرراً بالغاً بحامله الذي يعجز عن التحصيل و التقدم حيث يلتهي بالحسرة على نفسة و الانشغال في العمل على تحطيم الآخر .. و ينتقل الحسد من داخل الإنسان إلى خارجه و من خارج الفرد إلى المجتمع ... و إذا ما استسرى الحسد بين افراد الجماعة ينقص من تقدمهم و من قدرة هذه الجماعة في تسلق السلم الحضاري الذي يتطلب تفوق الكثيرين في شتى المجالات.. فالحقيقة هي ان تفوق الآخر به منفعة كبيرة لكل افراد المجتمع

الحسد يهرب من القلب المطمئن .. القلب الذي يعرف ان الله يحبه و يعتني به .. الحسد لا يجد مكانا في قلب يفطن ان لكل انسان مكان في قلب الله و ان لكل منا دور ليلعبه.
٠
الْقَلْبُ الْمُطْمَئِنُّ يَهَبُ أَعْضَاءَ الْجَسَدِ حَيَاةً، وَالْحَسَدُ يَنْخُرُ فِي الْعِظَامِ. امثال ١٤: ٣٠

1 comment:

  1. PERFECT SUBJECT ABOUT ENVY.
    I HOPE EVERYONE CAN READ IT.

    ReplyDelete

ارجو الإلتزام بالموضوعية في التعليق على المواضيع المطروحة .. ارجو مراعاة عدم استخدام الالفاظ النابية .. كما ارجو ان تتجنب الردود الانفعالية .. اعتذر عن عدم نشر التعليقات الخارجة عن الالتزام بالموضوعية و احترام الأشخاص