Tuesday, October 19, 2010

الوحدة قناعة وسلوك، وليست إتفاقيات وصكوك



بقلم إستير أبيحائل

انها سخرية القدرأن تنفجر المظاهرات، في نفس الأسبوع، في دولتين، تبعد الواحدة عن الآخرى مئات الآلاف من الأميال. خرج شعبان إلى شوارع مدنهم في نفس الأسبوع،  خرج الواحد منهم لينادي بالحياة، وخرج الآخر لينادي بالموت. في جنوب أمريكا خرج الشعب التشيلي يهتف بهتافات الفرح والحب والوحدة، و في الشمال الشرقي الأفريقي خرج جزء من الشعب المصري ليهتف بهتافات البؤس والكره والموت٠

لقد ترقب العالم أجمع عملية إنقاذ عمال المناجم المحتجزين في أعماق الأرض السفلى في تشيلي .. ورغم أن عملية الإنقاذ الغيرعادية، من الناحية التقنية، قد لعبت دوراً كبيراً في جذب إهتمام العالم، إلا أن سلوك الشعب التشيلي الذي توحد بكل خلفياته العلمية، والاجتماعية، والإقتصادية، والدينية، والعرقية لإنقاذ عدد قليل من العمال البسطاء، قد إستأثر على الحييز الأكبر من اهتمام العالم. بينما لم تنجح الفتنة الطائقية في مصر من الوصول الي العالم وجذب اهتمامه٠
 
لقد تسبب انهيارجزئي في أعماق الأرض، في اغلاق مخرج أحد المناجم في تشيلي مما تسبب في احتجاز ٣٣ عاملاً من عمال المناجم اللذين لم يجدوا بديلاً عن البقاء معاً في كهف صغير، بحجم غرفة الصالون، يبعد حوالي الكيلومتر عن سطح الأرض... عرف هؤلاء العمال قدر الخطر الذي يواجههم.. فهم يعرفون ان محاولة الوصول اليهم ستستغرق عدة اسابيع او ربما شهور وانها عملية لا تخلو من الخطورات .. ولكن اليأس لم يجد له مكاناً بينهم في هذا المكان الخانق المظلم.. ربما لأنهم يعرفون ان فوقهم على سطح الأرض، يمشي اناساً يقيّمون حياتهم وحياة أُسرهم، ويعرفون ان شعبهم لن ينام ولن يدع العالم ينام إلا بعد ان يخرجهم أحياء من تلك الأعماق البعيدة.. وبالفعل تحرك الشعب التشيلي إنطلاقاً من قناعاته وإيمانه بأن قيمة الإنسان تكمن في نفسه وفي فرديته وليست في انتمائاته الدينية أو الثقافية أوالإقتصادية أوالعرقية٠
 جند الشعب التشيلي -بكل قطاعاته- جهوده وأمواله وكفائاته، ولم يستحوا من "الإستقواء" بالدول الأكثر تقدماً في هندسة المناجم التي أمدتهم بالمعدات والخبرات.. واخيرا وبعد حوالي السبعين يوما تم انقاذ العامل الأول، الذي خرج إالى سطح الأرض ليجد الشعب التشيلي في شوارع المدينة، وهم يراقبون عملية الإنقاذ من خلال شاشات عملاقة وضعتها الحكومة في أماكن متفرقة من المدينة ..وجدهم يصرخون معاً بفرح و يهنئون بعضهم البعض .. وجدهم يرقصون حول علمهم احتفالاً بحياته! ..  و بعد أقل من ٢٤ ساعة من إنقاذ العامل الأول خرج العامل الاخير ليجد الرئيس التشيلي البليونيرسيباستيان بينيرال في إستقباله ليحيه ويبعث فيه أملاً جديداً إذ همس في أُذنه "أنت لن تكن على ماكنت عليه من قبل أبداً .. وكذلك تشيلي لن تكون على ما كانت عليه من قبل مرة اخري" .. .. فتشيلي اخذت قوة جديدة من حب شعبها بعضهم لبعض .. من اتحادهم حول علمهم٠
 وما ان أعلن رجال الإنقاذ انهم أخرجوا جميع الرجال احياء إلا وانطلقت الأفراح في جميع شوارع المدن التشيلية .. فقد اطلقوا بالونات بألوان العلم التشيلي .. لبسوا العلم على اعناقهم ورفعوه فوق رؤوسهم. وقاموا برش الشامبين كما يفعلون في أيام افراحهم وانتصاراتهم .. هتف التشيليون كمن يهتفون عندما يحرز فريقهم هدف الفوز!١

وفي نفس هذا الوقت شهدت شوارع مصر ما سميناه نحن بإشتعال الفتنة الطائفية. اعتقد إننني في غنى عن أن اقص لكم قصة هذه الفتنة ولماذا اشتعلت.. لقد اشبعتنا الصحافة بتفاصيل هذه الاحداث المؤسفة.. فكلنا نعلم عن الإتهامات الموجهة ضد الأقباط والتي سموها "التطاول في المطالبة بحقوقهم" و "الإستقواء بالخارج" ..كلنا نعلم بهتفات المظاهرات المعادية للأقباط والتي هتفت بالكره والقتل والشقاق٠

في نفس الوقت الذي رقص فيه التشليين، بكى فيه المصريين. وفي نفس الوقت الذي أجبرفيه الشعب التشيلي العالم كله على الإلتقاء عند بئر صغير في وسط الصحراء، لإنقاذ نفر قليل من العمال الفقراء، تمكن المصريون من إبعاد العالم كله عنهم ليملئوا مدنهم بالمناداة بالكره والتخريب والموت؟
 
 هم خرجوا ليدافعوا عن حق المواطنين الأقل دخلاً في الحياة، وبعضنا خرج للإعتداء على حق المواطنين الأقل عدداً في المساواة أمام القانون.. هم انفقوا أموالهم، و بذلوا أقصى جهودهم لإعلاء راية الحب بعضهم لبعض، و ..بعضنا أيضاً صرفوا الأموال وبذلوا المجهود، ولكن ليعلوا راية الكره للآخر.. هم تصرفوا من تلقائية قناعاتهم بأن قيمة الإنسان تكمن في فرديته .. وبعضنا ايضاً تصرف من تلقائية قناعاتهم بشن العدوان على الخاج عن الجماعة .. هم اتحدوا من تلقائية حبهم لبلدهم واحترامهم لبعضهم البعض .. ونحن تفرقنا من تلقائية قناعات البعض بأن دين يعلو عل دين في الدولة.. هم سلكوا بتلقائية إيمانهم بأن الناس كلهم سواسية أمام القانون بغض النظرعن ديانتهم أو لونهم أو عرقهم أو حالتهم الاقتصادية ... و بعضنا أيضاً سلك بتلقائية المفاهيم والإيمان بأفضلية المسلم على غير المسلم..  وفي الآخير هم صاحوا صيحات النصر والوحدة عندما نجحت مجهوداتهم في انقاذ ثلاث وثلاثون من عمال المناجم.. صاحوا لأنهم أحبوا واتحدوا.. وصحنا نحن بصيحات الهزيمة.. هزيمة شعب عندما انتصرفيه دين على آخر.. هزيمة وحدة انتصر فيها مواطن على آخر .. صحنا صيحات الكره والفرقة٠

 التشيليون لم ينادوا بالوحدة ولكنهم حصدوها من بساتين الحب والمساواة التي زروعها. احتفلوا كما يحتفل الرجل يوم زواجه من المرأة التي أحبها..  اما عن المصريين، فقد أصابهم الإعياء من عقد الاجتماعات والاتفاقات بشأن الوحدة، ولكنهم لم يجنوا غير الفرقة وإتساع المسافات بين المواطن واخيه المواطن .. فهل يحصد وحدة من امتلأت بساتينه بكره الآخر، والإستعلاء عليه؟ كيف يعد الرجل ليوم زفافه من امرأة رفضت الزواج منه بعد ان صارحها بكرهه لها؟؟  
 
يا رب إرحم