Thursday, April 21, 2011

محتقر ومخذول من الناس .. رجل أوجاع ..ومختبر الحزن... ولكن



بقلم إستير أبيحائل



أخذت من نبوة اشعياء النبي التي تنبأ بها عن المسيح ربنا والهنا عنواناً لمكتوبي هذا، لما في هذه النبوة من قوة تطلق الإنسان حراً من سجون، قضبانها مصنوعة من الشعور بالرفض والدونية، وجدرانها مبنية باحجار الأفضلية والتسلط والتسيد، وأبوابها لا تفتح بغير الإنتقام العنف والتعدي

عندما يدخل الشعور بالرفض  إلى الإنسان، يشعره بالعزلة والدونية .. فيحس الإنسان انه أقل شأناً من غيره ..او انه شخص لا قيمة له، فوجوده و عدمه لا يؤثران سلبا ولا إيجاباً على الآخرين .. فها هم  أطفال الحارة يلعبون وكلما اراد هو أن يشاركهم نبذوه بحجة انه لا يجيد لعب الكرة .. وها هن الفتيات يضحكن بصوت عالي  ولكن عندما تقترب هي اليهن، يسودهن الصمت ويتركن المكان، وتبقى هي منفردة تشعر بغصة ألم في حلقومها تكاد ان تخقها ... وهذا الذي جاء لأمه وكله فرح وتطلع للمستقبل يخبرها انه وبنت الجيران اتفقا على الزواج، ثم اظلمت الدنيا في عينه وهو يستمع لكلمات أمه التي تقول له بحزم .. اذا اتجوزتها، لا انت ابني ولا اعرفك.. وهذا الذي يجلس بمفرده من بعيد يراقب الأولاد وهم يتحادثون و يلعبون في المدرسة، فكل محاولاته لايجاد صديق واحد قد بائت بالفشل بعد ان عرف الجميع انه لا أب له ... هذا الشعور بالرفض يولد في داخل حامله شعور بالخوف من تكرار الرفض فيبدأ الإنسان بمعاداة الآخرين او الإبتداء برفضهم ليحمي نفسة من رفضهم له.. وإذا تكرر الرفض في حياة الشخص، أو اذا تعرض لرفض شديد كاد ان يقضي على حياته، كمحاولة قتله او تخلي والديه عنه،  يولد فيه شعور بالغضب الشديد والإنتقام وقد يتحول إلى إنسان منتقم عدائي عنيف .. ويخرج الكره والإنتقام والعنف من دائرة الإنسان الصغيرة إلى دائرة المجتمع الكبير اذا ما وجد الشخص الذي عانى من رفض متكرر وشديد مكانة للقيادة او للرئاسة     

 حياة المسيح يسوع ربنا ومخلصنا، كحياة الكثير من القادة السياسيين والدينيين، كانت حياة مليئة بالرفض المتكرر والشديد. فقد لاحقه هيرودس بالتهديد بالقتل منذ نعومة اظافره،  وبالرغم من انه مكتوب عنه انه "جال يصنع خيراً".. يشفي المرضى، ويغفر الخطايا، ويقيم الموتى، ويعلم المجتمع ان لا يرفض الخطاة وأن لا ينبذوا الضعفاء في وسطهم، إلا اننا نقرأ على صفحات الكتاب المقدس، انه اضطر لترك المكان لانهم كانوا يريدون ان يقتلوه.. في مرة آخرى نقرأ أن جمع من أفراد عائلته، في مدينة الناصرة، إمتلؤا غضباً، وقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل ليطرحوه إلى أسفل.. اتهمه أقرباؤه بأنه مختل العقل .. رؤساء الكهنة اجتمعوا ليرجموه.. تلميذه خانه.. تلميذه الآخر انكره .. ضربه القوم وبصقوا عليه  .. وأخذوا يسخرون منه.. أتهمه اليهود والرومان ظلماً وحكم عليه بالصلب، لينهي حياته على الأرض بابشع نوع من أنواع التعذيب والقتل الذي عرفتهم الإنسانية  
 لقد عاش المسيح يسوع  له كل المجد، حياة جديرة بأن تصنع منه رجل عنيف، شرس، منتقم،  كما صنعت احداث مشابه في حياة  قادة سياسيين ودينيين آخرين، فولدت فيهم كره الاخريين ورفضهم والانتقام منهم والشراسة في معاملتهم 
ولكن المسيح له كل المجد رفض الدخول إلى دائرة الشعور بالرفض ومنتجاته ..  رفض الناس له لم يفلح في زرع بذار الكره والإنتقام والحقد والعداء بداخله  
ولكن نتاجاً عكسياً قد ظهر في المسيح المرفوض .  المسيح لم يستجب للشعور بالرفض ولم يشعر بالعزلة، ولم يكره رافضيه ولم يحاول الإنتقام منهم، ولم يتعدى على حقوق الناس، ولم يرفضهم، ولم يأمر تلاميذه بقتلهم أو بالإنتقام منهم، بل صرخ من فوق الصليب من اجل رافضيه  "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون" .. هم سجناء كرههم ورفضهم وعنفهم، وهو له كل المجد  يعلن لبشريته من فوق الصليب  ان لنا مكان في جنب المسيح الذي طعنته ايادينا .. بقيامته من الأموات فتح المسيح ابواب سجون الرفض والكره والانتقام والعنف واطلقنا في حرية مجد اولاد الله لنحب ونقبل ونحترم فردية الناس ولا نعتدي على حرياتهم  

السارق لا ياتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك. وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل.  أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو اجير وليس راعيا الذي ليست الخراف له فيرى الذئب مقبلا ويترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويبددها. والأجير يهرب لانه أجير ولا يبالي بالخراف. اما انا فاني الراعي الصالح ( انجيل يوحنا ١٠: ١٠ - ١٤)٠  

اشكر د. مارك ديوري الذي شق لنا طريقا جديداً بكتاباته في هذا الموضوع


Wednesday, April 6, 2011

كاميليا جزء من قصة شعب

بقلم إستير أبيحائل


الفصل الأول: الكاهن ينظر لاختفاء زوجته بنظرة اختطاف القبطيات واسلمتهن

 كاميليا سيدة قبطية مسيحية في منتصف عقدها الثالث،  تتمتع بقدر من الجمال والشجاعة والحضور. شاءت الأقدار ان تعيش كاميليا وزوجها الكاهن أبونا تداوس وابنها الصغير أنطون في مدينة ديرمواس، إحدى مدن محافظة المنيا في صعيد مصر٠

 تبدو الحياة وكأنها طبيعية هادئة في ديرمواس، فشوارع القرى والنجوع بديرمواس مكتظة بعدد هائل من السكان الذين يعيشون حياتهم بطريقة عادية، مثل أي بلد في ربوع مصر، يذهبون لاشغالهم ولقضاء حاجياتهم.. يضحكون ويبكون، والأطفال يلعبون في الشوارع والأزقة. وكاميليا، مثل باقي الناس، تذهب لعملها ولشراء حاجيتها  بينما يتنقل زوجها بين قرى ونجوع المدينة ليتفقد المريض والحزين ويعضد المحتاج٠ 
ورغم أن الحياة تسير بشكل طبيعي في الواجهة، إلا انه في الداخل يكمن شبح جريمة خطيرة ومنظمة، ضحاياها من النساء القبطيات الاتي يخطفن ويعتدى عليهن ويجبرن على إعتناق الإسلام وعلى الزواج بمسلمين ضد رغبتهن. وإذا تمكنت إحدى الضحايا من الهرب، يلاحقها المجرمون بتهمة الردة عن الإسلام ٠
      
في إحدى الأمسيات خرجت كاميليا شحاتة من منزلها كعادتها ولكنها لم ترجع لمنزلها كعادتها .. لانعرف لماذا لم ترجع كاميليا، ربما كانت على خلاف مع زوجها، امر قد يحدث احياناً بين الأزواج في جميع بقاع العالم. ولكن الأمر لم يكن طبيعيا مع كاميليا.. فعندما رجع زوجها الكاهن تداوس سمعان إلى المنزل ولم يجد زوجته حاول الإتصال بمحمولها دون جدوى، أسرع بالإتصال بمنزل أهلها وأقاربها لعلها ذهبت لزيارتهم، ولكن كل من اتصل به اكد له ان كاميليا لم تكن طرفه.. إنزعج الرجل أشد الإنزعاج وسرعان ما حاوطه شبح الجريمة المنظمة التي تأخذ ضحاياها من النساء القبطيات.. ويبدو ان زوجات الكهنة لهم قيمة أعلى عند الجناة٠

 لا أدري اذا كان أبونا تداوس قد قرأ التقرير المقدم من منظمة التضامن المسيحي العالمي بالإشتراك مع المؤسسة القبطية لحقوق الإنسان الذي  سجل الاف الحالات من إختفاء النساء القبطيات وإجبارهن على إعتناق الإسلام والزواج من المسلمين ضد رغبتهن، ولا أعلم إذا كان أبونا تداوس قد تابع برنامج سؤال جريء وملأته المخاوف على زوجته وهو يتذكر ما قالته انجي عادل وهي منهارة تبكي وتحكي عن بشاعة الإعتداء عليها، أوتكون رعشة قد سرت بداخله لما إسترجع ما قصته أمل -من خلال البرنامج نفسه- عن الجرائم ضد الإنسانية  التي مكن لها أو إرتكبها رجال أمن الدولة ضد العديد من الفتيات القبطيات بغرض أسلمتهن. لا أدري إن كان الكاهن تداوس قد قرأ كتاب مذكرات شيطان والذي كشف فيه عضو سابق في الجماعات الإسلامية عن التخطيط  الإجرامي البشع لجريمة خطف القبطيات٠

ربما قد قرأ أبونا كل هذا أو بعضه، وربما قد سمع من شهود عيان عن الجريمة المنظمة و قسوة مرتكبيها، ومعاناة ضحاياها، فمن الواضح انه كان مدركاً للخطر المحيط بالنساء القبطيات اللاتي أصبحن هدفا لجريمة من ابشع الجرائم المنظمة٠

وينتهي الفصل الأول من القصة بمنظرأبونا تداوس وهو في غاية القلق، وقد ذهب إلى قسم الشرطة ليحرر محضراً بغياب زوجته وهو يشير بأصبع الإتهام إلى الجريمة المنظمة التي تأخذ مكانها كل يوم ضد النساء القبطيات ظان أن زوجته قد اصبحت من ضحايا الجريمة٠

الفصل الثاني: الشعب القبطي ينظر لإختفاء زوجة الكاهن بنظرة اختطاف القبطيات وأسلمتهن

 فور إنتشار خبرإختفاء السيدة كاميليا شحاتة ثارأقباط ديرمواس ثورة عارمة،  فإختفاء سيدة قبطية، وخاصةًً إذا كانت هذه السيدة زوجة كاهن، يمس صميم قيم الشرف عندهم ويطال من يعتبرونها أُماً روحية لهم. أكتظت الأوتوبيسات باعداد كبيرة من أقباط دير مواس، وصحبهم لأول مرة عدد كبير من الكهنة الأقباط وذهبوا إلى القاهرة ليسجلوا وقفة إحتجاجية على هذه الجريمة البشعة التي ترتكب ضد كاميليا شحاته، ولم تكن كامليا شحاتة إلا إسم قبطي ورمزاً دينياً يجسد المأساة القديمة الجديدة لخطف القبطيات٠

 ومن ناحية اخرى قام أسقف الايبارشية الأنبا أغابيوس بالإتصال بالأجهزة الأمنية لحثهم على سرعة العثور على زوجة الأب الكاهن ويبدوا انه هو ايضا كان منساقاً بشبح جرائم خطف القبطيات٠

 وفي نفس الوقت تحركت بعض جمعيات حقوق الإنسان المهتمة بقضية الاتجار بالبشر والتي تمارس ضد القبطيات، فأصدر مركز الكلمة لحقوق الإنسان بالقاهرة بياناً أعرب فيه عن قلقة الشديد لتنامي ظاهرة إختفاء الفتيات القبطيات مشيراً إلى تزايد الشكاوي من حالات الإختفاء  بين السيدات القبطيات ولم يستبعد المركز ان تكون كاميليا شحاتة قد تحولت إلى إحدى ضحايا تلك الجريمة البشعة٠
        
وينتهي الفصل الثاني من القصة والأقباط ثائرون يعتقدون أن كاميليا قد سقطت ضحية لعملية خطف وإعتداء وأسلمة جبرية، غير مباليين بالحقائق الآُخرى والتي قد تكون السبب الحقيقي وراء إختفاء السيدة كاميليا شحاتة٠   

الفصل الثالث: الإسلاميون ينظرون لإختفاء زوجة الكاهن بنظرة خطف القبطيات واسلمتهن

عثرت قوات الأمن على السيدة كاميليا شحاتة في منزل احدى قريباتها في القاهرة وتبين أن اختفائها  كان بمحض إرادتها، ولأسباب عائلية، وأن إختفاءها لم يكن جزء من الجريمة المنظمة ضد القبطيات.  قام جهاز الأمن بتسليم السيدة كاميليا شحاتة لأهلها. ولكن التصريح بأن إختفاء كاميليا كان لأسباب عائلية طبيعية، تحدث في كل اسرة، وفي كل مكان، لم يكن كافياً ليبعد شبح جريمة إختطاف القبطيات عن الإسلاميين. فراحوا يجادلون ويؤكدون انها أسلمت، ويطالبون بإظهار اختهم المسلمة كاميليا شحاتة المحتجزة في "سجون الأديرة". بل وهناك مواقع على الشبكة العنكبوتية تطلق على نفسها "موقع الأسيرة كاميليا شحاتة". وكأن اختفاء سيدة قبطية عن منزلها، وبالذات إذا كانت هذه السيدة زوجة كاهن، لابد وان يكون دليلا على إسلامها. لقد سيطر شبح الجريمة على الإسلاميين فأصبح من غير المعقول عندهم ان تختفي زوجة كاهن إلا إذا كانت قد أشهرت إسلامها٠
 واشتدت المواجهة بين الإسلاميين، وبين الأقباط الذين تعقدت مهمتهم في الدفاع عن ضحايا عمليات الإختطاف بعد أن لحقت نيران شبهة الإسلام غير المختطفات٠
  
ومع اشتداد المواجهة بين الأقباط والإسلاميين لجأت السيدة كاميليا للظهور في برنامج تسجيلي تحكي فيه بعفوية بريئة إنها لم تكن من ضحايا الإختطاف المنظم لأسلمة القبطيات، وانها لم تعتنق الإسلام، وإنها مسيحية وستظل مسيحية. ومن جانبه اكد فضيلة شيخ الأزهرأن السيدة كاميليا لم تشهر إسلامها، وأيضاً خرج علينا بعض علماء المسلمين المرموقين ليؤكدوا أن كامليا لم تشهر إسلامها٠

 وينتهي الفصل الثالث من قصة كاميليا والإسلاميون يطالبون بإسترداد اختهم المسلمة التي يحتجزها المسيحيون في سجونهم. بينما تطالب كاميليا بحماية الكنيسة، حيث ان الدولة لن تمنحها هذه الحماية، بعد أن لبستها شبهة الإسلام وشكلت خطراً شديداً على حياتها كمسيحية 
 
ولكن القصة لم تنته بعد

  قصة كاميليا هي فصل من فصول قصة معاناة الأقباط في بلدهم .. قصة يعيش الأقباط تفاصيل الامها بينما يستمتع الإسلاميون من صنعها واستطالتها وكأنها قصة من قصص ألف ليلة وليلة. في كل يوم عندما يدرك شهرزاد الصباح تسكت عن الكلام المباح، ولكنها تعود في الليلة التالية لتشبع فضول الملك شهريار الذي كله آذان صاغية في انتظار ان يعرف المذيد٠

يبدو أن فصول ألف ليلة وليلة التي يكتبها الإسلاميون بدماء الأقباط واعراضهم لن تنتهي في مصر قريباً، فكاميليا قصة من ضمن الكثير من القصص..  والناس مايزالوا مغيبون وكأنهم لا يعيشون هذه المأساة الإنسانية وهم يجوزون بثورة بها مختلف التيارات، ستحدد مصيرهم لأجيال قادمة ٠
صراحةً لقد سئمنا هذه القصص التي تنتهك حق ابطالها في اعتناق ما يريدون من الأديان، سئمنا جرائم الإسلاميين اللذين يجدون لأنفسهم حقاً فيما يعتقد الناس، ويتمادون الى حد فرض الإعتقاد على من قال انه لا يعتقد، ويوقعون العقوبات على من يرتد عن ما اعتقد٠

مصر تحتاج إلى اناس مخلصين يكتبون لنا قصة مصر الحديثة المتحضرة ، التي تؤمن بالحرية والعدل واحترام فردية الإنسان والديمقراطية، ويرفضون الطائفية والتمييز الديني والعرقي لعلنا نصل إلى خاتمة سعيدة لقصة مصر، تليق بمجدها العظيم عوضاً عن المسلسل الكئيب الذي نعيشه الآن٠

ويا رب إرحم٠٠

 أتقدم بالشكرالجزيل لأُستاذي الفاضل منير بشاي على كل ما قدمه لي من نصح  وارشاد   

Monday, January 24, 2011

إنترنت بلا فتنة: إمعان في الإعتداء على حقوق الأقباط (٢)٠



إستير أبيحائل

يطالبون المذبوح ان لا يتأوه.... ان يكتم أنفاسه...... أن لا يقول (((آآآآه))) .....واذا تجرأ وقال الآه يبقى فتنة وتهييج للأقباط على الأحباء الذابحيين والمفجرون لنا والذين مزقوا بناتنا ونساءنا وشبابنا تمزيقا...أطفال ستعيش باقى أيام أعمارهم سيواجهون الحياة بلا عيون بلا أزرع بلا أرجل من جراء شلة من الغجر المأجورين من السلفيين والوهابيين وأولهم ... عمرو خالد ... الذى يدس للجميع السم فى العسل .....لا نريدك ولا نريد نصائحك ولا نصائح من معك ومن انخدعوا سواءاً بإرادتهم أم مجبورين اتركونا لهمومنا نلملم أشلاء لحم شهداءنا المتطاير فى كل مصر من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب ، نحاول أن نجفف دماء ودموع شعبنا القبطى المجروع والممزق ولنا الله الذى يعولنا بمعرفته ...... ربنا موجود   ~ الكاتب والفنان القبطي شفيق بطرس  

وجهت حملة "إنترنت بلا فتنة" تهمة جريمة كنيسة القديسين للمجتمع  المصري بما فيهم من أقباط مظلومين ومن مسلمين مسالمين وذلك في محاولة لرسم صورة مزيفة لمنهجية الإعتداء الديني والطائفي على الأقباط والأقليات غير المسلمة في مصر، "وذلك للعمل على مخاطبة الرأي العام العالمي ووسائل الإعلام الأجنبية، التي تتهمنا بالتطرف والارهاب، ومن ثم ستتحسن صورتنا امام دول العالم اجمع." كما جاء على لسان صاحب الحملة 

لقد اخرج إعلان وزارة الداخلية المصرية عن مرتكب جريمة كنيسة القديسين بالإسكندرية والتصريح عن إستخدام الجناة للشبكة العنكبوتية، أخرج حملة "إنترنت بلا فتنة" من أرض الواقع. فبينما اخذت هذه الحملة في الإعتداء على حقوق الأقباط بمحاولة تثبيت مفاهيم الفتنة الإسلامية وإلقاء مسؤلية إشعالها عليهم منصافة مع الإسلامين.. وتعويم مافاهيم التعددية والمساواة وحرية الرأي وحرية العقيدة.. كشف بيان الداخلية المصرية ان العملية الإجرامية، برمتها، من بدء التخطيط لها، وإلى تنفيذها ومدحها كلها من صنع الإسلاميين، وان الأقباط لم يشتركوا فيها إلا كضحايا.٠   

سطر صاحب الحملة الدكتور عمرو خالد انه ينوي  "محاصرة التحريض على الفتنة بين طرفي الأمة".. ولكن ما لم يسطره لنا وللعالم الخارجي الذي يريد تحسين صورة الإسلام أمامه، هو ان "الفتنة" هي إحدى المؤسسات اللاهوتية الإسلامية .. لقد تعمد العلامة الإسلامي الدكتورعمرو عدم التعرض لفلسفة الفتنة الإسلامية والتي تفلسف الاعتداء على حق الفرد والمجتمع في معارضة الأحكام الإسلامية، بل لانها تجعل من المعترض مجرماً خارجاً عن القانون و تجعل للمعتدي حق في الإعتداء. .. تجاهل الدكتور العلامة الإسلامي عمرو خالد التعرض للمفهوم الإسلامي لعقوبة الفتنة [جريمة الإعتراض على الأحكام الإسلامية] والتي تقرر رفع الحماية عن مرتكب الفتنة وعن ما يملك وتخلع عن مرتكبها حقوقه الدستورية والمدنية .. فالفتنة تفلسف وتخلق حقاً للمعتدي في الإعتداء على الأقليات، بل تعطي المعتدي حق الإعتداء الأشد اذا ما رفض المعتدى عليه قبول الإعتداء الأقل٠

تجاهل الدكتورالمحترم، صاحب الحملة، ان الفتنة التي يطالبنا بإطفاءها هي نفس الجريمة أُتهمنا بها عندما طالبنا ببناء الكنائس إسوة بالمواطنين المسلمين في بناء الجوامع.. و بالطبع تفادى الدكتور صاحب الحملة الإشارة لان مصطلح  "فتنة" المسخدم في هذه الحملة هو نفس المصطلح الذي استخدمه الإسلاميون لتشريع و تبرير وتحليل جرائمهم ضد  الأقباط. الم يصل إلى علم صاحب الحملة إن الإسلاميين كانوا قد وجهوا تهمة الفتنة للأقباط قبل ان ينقضوا على ضحاياهم في كنيسة القديسين؟؟

د. سليم العوا وجه تهمة الفتنة للأقباط وهدد برفع الحماية عنهم

لقد اسهب الدكتور سليم العوا في شرح مفهوم الفتنة الإسلامي وذلك في احدى حلقات برنامج بلا حدود والذي بثته قناة الجزيرة في ١٥/ ٩ /٢٠١٠. لقد بسّط العالم الإسلامي الدكتور سليم العوا تفسير معنى الفتنة للمشاهد العادي وشرح بامثلة عملية دور الأقباط في إشعال الفتنة بحسب المفهوم الإسلامي، مما تسبب في إنطلاقة المظاهرات الإسلامية المعادية للأقباط في الإسكندرية، والتي مهدت ان لم تكن قد أدت إلى ارتكاب جريمة تفجيرالمصللين الأقباط بالإسكندرية٠
 لقد اغرقنا الدكتور والعالم الإسلامي، سليم العوا، علماً بالفتنة والتحريض عليها وعقوبتها؟  حوارالدكتور العوا عن الفتنة لم يكن الأول من نوعه. فلقد تداخل الدكتور سليم العوا من قبل في بنامج القاهرة اليوم معترضا على مناقشة حقوق الأقباط في مصر في خارج نطاق الشريعة  قائلاً " لغة الحوار[في البرنامج] .. لم تكن اللغة التي تعودنا عليها في هذا الوطن، هذا وطن يعيش فيه المسلمون والأقباط منذ ١٤٢٨ سنة ... لم يحدث ان قال احد عن الآخر انه اصبح ملطشة، ولم يحدث ان قال احد عن الآخر انه دين درجة تانية، ولا إنها بقيت ديانة دُنيا. هذه الفاظ لا تسعتمل في الحوار الإسلامي المسيحي المصريهذه الفاظ تليق بأحوال الفتن وبأحوال المحن، وبإثارة النعرات الطائفية، ... وجميع ضيوفك المحترمين لا يقصدون إثارة الفتنة طبعاً، ولا يحبوا ان يكونوا من محرضيها أو محركيها، وطبعاً لا يحبوا ان يكونوا وقوداً لها ... ليرضى اصدقاءنا الأقباط، هذه الدولة ستبقى دولة مسلمة  يرعى فيها حق المسيحي ..لانه شريك في الوطن، لكن لايرعى فيها حق المسيحي لأنه يتكلم كلاماً يثير الفتنة، أو يستفز المسلمين" ٠

 الدكتور العوا رفض اعتراض الأقباط على اوضاعهم رافضاً مبدأ استعمال الفاظ التمييز الديني في الحوار الإسلامي المسيحي ومشيراً إلى ان هذا الإعتراض القبطي  يعد من باب الفتنة والمحن وإثاة النعرات الطائفية ..  هذه اشكالية كبيرة، فكيف نطالب بحقوق المساواة عندما نمنع من استجلاب معاناتنا والظلم الواقع علينا إالى طاولة المحاورات؟؟ وهل من حق الدكتور سليم العوا والفكر الإسلامي المتطرف ان يمنعوا الأقباط من الإعتراض على معاملتهم كمستأجرين لأرض الإسلام؟؟ بأي حق يهدد الدكتور سليم العوا برفع الحماية عن الأقباط؟؟ اتكون الحماية منحة يهبها الإسلاميون للأقباط ويرجعون عنها اذا ما خالف الأقباط شروطهم؟؟

عقد الذمة أوعقد الحماية        
الدكتورسليم العوا يشير إلى عقد الحماية الإسلامي والذي يتمتع بموجبه الأقباط بالحماية في أرض الإسلام ليس كأصحاب أرض او شركاء فيها، ولكن كمستأجرين لأرض من ماليكيها.. ويشير الدكتور العوا إلى شرط الجزاء في هذا العقد وهو سقوط الحماية عن الأقباط اذا ما اثاروا الفتنة "هذه الدولة [مصر] ستبقى مسلمة يرعى فيها حق المسيحي" هذه إشارة إلى عقد إستسلام واذلال وليس عهد سلام مع مالكي الأرض... عقد من  عقود العصور البدائية التي كانت تنتقص لابسط مبادئ العدل والمساواة وعدم التمييز بين سكان الأرض بسبب الدين، أوالعرق، أو اللون، أوالإنتماء السياسي. عقد استسلام و ذل بمعايير العدل والمساواة الدولية المعاصرة

شروط العقد  ونصوص الجزاء فيه 
 لقد شرط الأقباط على أنفسهم في هذا العقد المجحف بشروط مذلة لهم ولأولادهم ومنقصة لأبسط حقوق المساواة . وافق الأقباط على ان يرضوا بعقد الإستسلام هذا في مقابل ان يكف الإسلاميون عن قتلهم وإحراق ممتلكاتهم وتدمير اديرتهم وكنائسهم. وقبلوا إن يسقط عنهم حقهم (الممنوح لهم من المعتدين) في الحماية اذا خالفوا ما شرطوا على انفسهم .. ينص العقد على ان يكون للإمام المسلم منهم ما كان لأهل العناد.. فإن هم رفضوا الإعتداء الأقل يقع عليهم الإعتداء الأشد، وترفع الحماية عنهم ويقاتلهم المسلمون "حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" -- سورة الأنفال ٣٩
(انظر المغني والشرح الكبيرللإمامين إبن قدامة وإبن قدامة المقدسي المجلد العاشر والصفحات ٥٨٤- ٦٣١) 

لا يمكن ان يجمع مجتمع واحد بين مفاهيم التعددية والمساواة وإحترام الآخر وبين مفاهيم الفتنة الإسلامية
الفتنة مفهوم مضاد وضار لمفاهيم التعددية الثقافية والدينية والعرقية فالفتنة بمعنى الكفر والتحريض على الكفر والذي هو احد مفاهيم الفتنة الإسلامية، يعارض ويمنع الأقباط من المطالبة بحقوقهم في المساواة أمام القانون.. الأقباط لايؤمنون بالقرآن وهذا حقهم في حرية الإعتقاد وهم لن يخضعوا لأحكام تنقص من حقوقهم المدنية والسياسية وهذا حقهم..  فإذا طالب الأقباط بإعتلاء الوظائف العليا في الدولة إسوة بالمواطنين المسلمين، ستقع مطالبتهم هذه في بوتقة الإعتراض على حكم الله، وإذا شددوا الإعتراض على معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، أواعترضوا على ان ينص الدستور على ان تكون مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، أوإذا اعترضوا على تسمية الإسلام بالديانة العليا لما تحمله هذه التسمية من تصغير للديانات الآخرى، سيتهمهم الإسلاميون بالفتنة والتحريض عليها ويهددونهم برفع الحماية عنهم كما فعل الدكتور العوا و اتباعه من الإسلاميين... الفتنة تثبت فكر الحزب الواحد والرأي الواحد والدين الواحد ولا يمكن للمجتمع الذي يؤمن بالتعددية وإحترام الآخر ان ينادي بمفاهيم الفتنة الإسلامية.. فهل يجمع الإنسان بين الحرية والإستعباد؟ وهل يجمع المجتمع الواحد بين مفاهيم العز والذل معاً؟؟            

فقبل ان ينادينا الشيخ عمرو خالد للإتفاق معه على محاصرة الفتنة كان عليه ان يستدرك ان مؤسسة الفتنة الإسلامية هي إحدى أهم المؤسسات الإسلامية التي يستخدمها الإسلاميون لتبرير الإعتداء علينا .. وكان عليه ان يدرك ان رفض الأقباط لهذه المؤسسة وإستدراكهم لما في هذا المفهوم من إعتداء على حقوقهم، هو الذي تسبب في تردي العلاقات بين الأقباط والإسلامين بعد ان اعتبرالإسلاميين ان مطالبة الأقباط بحقهم في المساواة "فتنة" و"تحريض على الفتنة" واوقعوا عليهم العقوبات .. فكيف يطالبنا بقبول ما رفضناه وتحررنا منه
وقبل ان يشترك موقع "الأقباط متحدون" في هذه الحملة،  كان عليهم ان يستدركوا ان اشتراكهم في هذه الحملة يعزز المفاهيم الإسلامية التي تقضي بأن للأغلبية المسلمة "حق" في الإعتداء على الأقليات غير المسلمة .. وكان عليهم ان يطالبوا الدكتور عمرو خالد بالعدول عن إستخام مصطلح "الفتنة" والتنكر لما فيه من مفاهيم ظالمة للأقباط وللأقليات الآخرى غيرالمسلمة    
يا رب إرحم

Monday, January 17, 2011

إنترنت بلا فتنة: إمعان في الإعتداء على حقوق الأقباط



بقلم إستير أبيحائل

في وسط ضجيج الجريمة البشعة التي وقعت أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية، تلك الجريمة التي إهتزت لها ضمائر البشر من جميع خلفياتهم العرقية والدينية والسياسية. وبين مستنكر، ومدافع، ومبرر ، ومؤيد للحدث ، طل علينا الدكتور عمرو خالد بحملة اسماها "انترنت بلا فتنة" .. حملة تظهر من لفافتها الخارجية وكأنها دعوة لسكنى المدينة الفاضلة .. إلا ان القارئ المدقق لما تدعو له هذه الحملة سيجدها عبوة ناسفة لمفاهيم المساواة وعدم التمييز بين المواطنين بسبب دينهم  ..  سيجد القارئ  إنها حملة تؤكد وتثبت مفاهيم ان قيمة المواطن وحقوقة تبنى على هويته الدينية.. في داخل هذه الحملة مفاهيم مدمِّرة للمساواة بين المواطنين بغض النظر عن دينهم  أو لونهم أو عرقهم.. و هي مبادئ الحرية التي دافع عنها كثير من الأقباط والمسلمين ودفعوا فيها ثمنا غاليا من أوقاتهم وأموالهم ودمائهم ليحرروا الشعب المصري منها  .. هذه الحملة لا تخلو من تخويف وتهديد الأقباط، والمطالبة بكبت مطالبهم كثمن للسلام .. لا أقول هذا لأنها دعوة من داعية إسلامي، كما اقترح البعض ، ولا شأن لكبر سني او صغرة بهذا الإعتراض ايضاً.. ولكني اقول انها حملة ضارة لانها  مشت بأرجلها فوق التصفية العرقية والدينية والإضطهاد المنهجي الذي عانى منه الأقباط ومازالوا يعانون بدون استدراك لتلك المعاناة.. بدون تقديم كلمة اعتذار واحدة ... هذه الحملة الضارة التي تزينت بكلمات رنانة كالتعددية وقبول الآخر المختلف تثّبت في جوهرها وتؤكد في كل من اهدافها ونياتها ووسائلها مفاهيم الإعتداء على حقوق الأقباط وتحميلهم مسؤلية الإعتداء عليهم

هناك الكثير بل والكثير جدا مما يمكن ان نقوله عن هذه الحملة الضارة - على احسن تقدير. لذا سأفرد عدة كتابات لهذا الموضوع حتى لا اجنح لتجاهل طرح أي من التساؤلات والحجج الهامة، وفي نفس الوقت لا اثقل على القارئ  بمواد وحجج تفوق الحجم المحدد لهذا المكتوب 
  
 يقول الدكتور عمرو خالد ان لحملته اهداف ثلاثة و نيات ثلاث ووسيلتين للوصول لأهداف الحملة . سأتناول كل منها تباعاً .. ولكن إسمح لي عزيزي القارئ ان ابدأ بمن وجهت لهم الحملة

 الأقباط مسؤلون عن الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب ضدهم
الحملة موجهة للمسلمين والمسيحيين مناصفة!!  يقول الدكتور عمرو في حديث اجرته معه لميس الحديدي وفي حضور الأُستاذة بسنت موسى  مدير تحرير الأقباط متحدون الموقع القبطي المشارك في الحملة  " وجود الاقباط متحدون في هذه الكوكبة [المواقع المسلمة]، بيديها شكل  فيه كلام للجميع،  يعني .. الحملة بيقوم بيها الطرفين ، وموجهة لتطرف الطرفين، وبالتالي لابد ان يكون الطرفين ممثلين ... في مواجهة المتطرفين في الجانبين ... لو كان كل المواقع مسلمة بس، كأننا بنقول ان المشكلة عند المسلمين بس "١  
 اذاً فالحملة  " فيها كلام للجميع" وهي "تواجه المتطرفين من الجانبين" و"المشكلة مش عند المسلمين بس"على حد قول شيخ عمرو
فهذه الحملة تحمِّل نصف مسؤلية الإعتداء الإسلامي المتطرف على الأقباط للأقباط انفسهم، بلا خجل!!٠
فحملة "انترنت بل فتنة" تحمل الأقباط نصف مسؤلية القتل البشع الذي حدث لهم في الكشح، ونجع حمادي، و دير ابو فانا والإسكندرية . تحملهم هذه الحمله ايضاً نصف مسؤلية خطف بناتهم والاعتدا الجنسي عليهن واسلمتهن جبراً. ومسؤلية حرق منازل الاقباط و الإعتداء على كنائسهم تقع على الأقباط مناصفةً مع الإسلاميين.  هذه الحملة تعتبر الأقباط مساهمون مناصفةً في عدم اعتلائهم للوظائف العليا !!٠

كيف لحملة تبعد بالمعتدي عن مسؤلية الإعتداء وتلقي بها على عاتق المعتدى عليه أن تأتي بنفع لقضية المعتدى عليه؟؟ هذه الحمله هي في حد ذاتها إعتداء صارخ على حقوق الأقباط بل وحقوق جميع الأقليات  المصرية غير المسلمة، فكيف نشارك نحن فيها ونروج لها؟؟
نحن نعلم والعالم كله يعلم معنا من هم المتطرفون الإسلاميون، فهم هؤلاء المجرمون اللذين يرتكبون جرائم قتل بشعة ثم يصيحون "الله اكبر" و يسمون ضحاياهم "الكفار" او يعتدون على النساء لأنهم "حلال" لهم. هم من يحرقون الكنائس لأنها "دار للكفر". ولكننا لا نعرف من هم المتطرفون الأقباط المشار اليهم في حملة الداعية الإسلامي؟؟ هل رأيت قبطياً يفجر نفسه مع الأبرياء ويصرخ "المجد لله في الأعالي"؟؟ هل رأيت قبطياً يحرض على انقاص حقوق المسلمين في مصر؟؟الهم الا اذا كان الشيخ المحترم يشير إلى صراخ نشطاء الأقباط من الألم والظلم والقتل الواقع علينا على انه تطرفاً. أو ربما اعتبر الشيخ عمرو المظاهرات التي فجرها الأقباط بعد حادث الإسكندرية البشع للدفاع عن حقهم في الأمن في داخل بلدهم تطرفاً. او ربما كما اقترح من قبله الدكتور سليم العوا "تطاول الأقباط في المطالبة بالحقوق" او ربما اعتبر صاحب الحملة ان رفع الأقباط لقضيتهم للمجتمع الدولي ومطالبتهم بحماية حقوقهم من الإعتداء عليها يعد تحريض على الفتنة. او ربما قد يسميه الشيخ عمرو "إستقواء بالخارج"، بعد ان أُدرج العداء على الأقباط تحت قائمة " الشؤون الداخلية لمصر". كيف يدان المجني عليه في جريمة هو ضحيتها.. أليس هذا امعاناً في الإعتداء على حقوق الأقباط؟؟

مافيش مشكلة
الحملة لا تشير من بعيد ولا من قريب لما يعانيه الأقباط من ظلم وإضطهاد ومن الإبادة الجماعية .. وتبتعد عن الخوض في تفاصيل القضية القبطية ، فقد صنعت أُذن من طين وآُخرى من عجين ، و تجاهلت معاناة الأقباط في تولي المناصب العليا وخطف البنات وهتك الأعراض وقتل الأبرياء ، وما يتكبلون من خسائر ناتجة عن حرق منازلهم واماكن عملهم ودور عبادتهم... وكأن شيئاً من هذا القبيل لم يكن أو يستحق الذكر.   يا رب إرحم 
أهداف الحملة الثلاثة  
الهدف الأول:  "محاصرة التحريض على الفتنة بين طرفي الأمة"٠
وعندي الكثير لأقوله عن "التحريض" وعن "الفتنة" ومفاهيم كل منهما الضارة لحقوق الأقليات الغير مسلمة والتي تعيش تحت الحكم الإسلامي، ولكن دعوني  ابدأ بطرح تساؤلاتي عن ما هو المقصود ب"طرفي الأمة"  لأنه المفهوم الأصلي الذي بنيت عليه ثقافة الإعتداء على حقوق الأقباط

طرفي الأمة
لأي أُمة يشير الدكتور عمرو؟؟ فهل يقصد الشعب المصري  بمسلميه ومسيحيه ؟واذا قصد الشعب المصري وقام بتقسيم مواطنيه - بلا خجل - بحسب انتمائاتهم الدينية ، فلماذا اقتصر انتماء المواطنين على طرفين فقط ؟؟  هل للمواطن في هذه الأمة حق التخلف عن الإنتماء لأي من هذين الطرفين الدينين؟؟ لماذ اغفل الدكتور عمرو إدراج من لا ينتمون للمسيحية ولا للإسلام من هذا التقسيم الديني للدولة؟ اليس بين المصريين  "لا دينيين" ؟ وهل من مكانة في الأمة للمرتدين عن الإسلام سواء اعتنقوا ديناً آخر او لم يعتنقوا أي من الأديان؟؟ ولم يحدثنا صاحب الحملة عن مكانة القرآنيين والبهائيين و العلمانيين في الأمة؟؟  
أم إن الدكتور عمرو يشير في حملته لأُمة الإسلام بطرفيها المسلم والذمي ، والتي لا تمنح الذمة لمن لا كتاب له و تقتل المرتد والخارج عن الإمام وعن شرع الإسلام ؟؟
اهذه حملة للدفاع عن حقوق الأقليات، ام انها حملة للإمعان في الإعتداء على حقوق الأقليات؟؟
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه في مسألة "طرفي الأمة" هو: كيف توزع الحقوق بين طرفي الأُمة؟ فهل تتساوى حقوق المواطنين اللذين تم تقسيمهم بحسب عقائدهم الدينية؟ فهل للذمي نفس حقوق المسلم في بناء دور العبادة و الولاية، اسوة بالمواطن المسلم في الأمة؟؟ أم ان الداعية الإسلامي ما يزال متمسكاً بأحكام الإسلام في "عدم جواز قتل المسلم بدم الكافر" و "عدم جواز ولاية غير المسلم على المسلم" و "عدم جواز بناء الكنائس في الأرض الإسلامية" و"عدم جواز ترميم ما خرب من الكنائس التي بنيت قبل ان تؤل الأرض للمسلمين"؟؟ وبأي من الأديان ستحكم هذه الأمة التي قسمت مواطنيها واستثنت بعضهم بما ينتمون له من الأديان؟؟نحتاج لتوضيح لكل هذه المسائل المصيرية والتي انتهكت حقوقنا وحقوق غيرنا من الأقليات غيرالمسلمة أو الخارجة عن الإسلام٠

الفتنة 
من الغريب ان الدكتور المحترم صاحب دعوة "انترنت بلا فتنة" قد أغفل -بقصد او بغير قصد، لست ادري-  تعريف "الفتنة" المقصودة في حملته .. رغم انها نفس الكلمة التي استخدمت لإثارة هذه الجرائم البشعة ضد الأقباط. فهل هذا اقرار بأن الأقباط قد ايقظوا هذه الفتنة وعليهم تقع مسؤلية تهدئتها؟؟ وهل لنا ان نستنبط معنى الفتنة المقصودة في الإشارة للآية القرآنية "الفتنة اشد من القتل".  فما هو المقصود بالفتنة اشد من القتل؟ فهل "الفتنة" هي "الكفر" و"الصد عن الإسلام" كما اتفق على تعريفها علماء الإسلام؟؟
قال الطبرسي في تفسيره مجمع البيان في تفسير القرآن في معرض تفسيره لسورة البقرة والآية ١٩١ " الكفر فتنة لأن الكفر يؤدي إلى الهلاك وقيل لأن الكفر فساد". وقد قال مفسر القرآن المرموق ابن كثيرفي نفسير القرآن الكريم "ماهم مشتملون عليه من الكفر بالله، والشرك به، والصد عن سبيله، ابلغ وأشد وأطم من من القتل"٠
الفتنة التي يواجهها الشعب المصري ليست فتنة اخلاقيات -كما تحاول هذه الحملة بتصويرها- ولكنها "فتنة" مفاهيم .. لا يمكن ان نصلح الأخلاقيات ونحن متمسكون بالمفاهيم التي تسببت في انتاج هذه الأخلاقيات .. فكيف نجني محبة ونحن نزرع الكره وكيف نجني وحدة ونحن نثبت مفاهيم الفرقة؟؟ 
نحتاج لتوضيح هذه المفاهيم. فمن غير المعقول ان يستخدم داعية إسلامي موقر نفس التعبير الذي يستخدمه الإسلاميون كحجة لقتل الأقباط بدون ان يجاهربإستنكاره لهذا المفهوم الذي تسبب في قتل الأبرياء أو ادانته. التعددية وإحترام الآخر تبدأ بدحر مفاهيم تحقير الآخر وإدانة إستخدام الالفاظ المسيئة ك"الكفار" و "الضالون" .. وليس بمطالبة الآخر بالكف عن الإعتراض على دعوته  كافراً أو نجساً  
الأقباط يبحثون عن السلام ولكنهم لن يرضوا بغيرالسلام المبني على العدل والمساواة امام القانون. الأقباط ينقبون عن مفاهيم قبول الآخر ولكن ليس على حساب إغفال الإنتهاكات المنهجية المقننة ضدهم٠ الأقباط سيواصلون في تقديم المحبة لمن يطهدونهم ولكنهم لن يسمحوا لمضطهديهم أن ييستعملوا هذه المحبة كسلاح للإمعان في الإعتداء عليهم٠ 

اتوقف هنا حتى لا اطيل على القارئ واعود مرَّة آخرى لأفحص مفاهيم "التحريض على الفتنة" وما تبقى من المفاهيم المضمنة في أهداف حملة انترنت بلا فتنة

Thursday, January 13, 2011

ردود الفعل الإسلامية لحادث كنيسة القديسين بالإسكندرية


إستير أبيحائل


استقبل العالم الساعات الاولى من العام الجديد بمشاهد الجريمة البشعة الخالية من الإنسانية والتي حدثت امام كنيسة القدسين بالإسكندرية. ملء الخبر الصحافة العالمية بعد ان تطايرت اشلاء اجساد المصلين لارتفاعات عالية ومن ثم تساقطت في هيئة اكوام من الدماء واللحوم الآدمية.. جريمة بشعة ارتكبها احد المسلمين بغرض ارهاب المسيحيين.. وقف الجميع امام بشاعة هذه الجريمة التي لم تتسبب فقط في قتل ابرياء ولكنها تسببت في اذى شديد لكل من تواجد في مكان الحدث ومن راح يبحث عن احباءة واقرباءه وجيرانه وسط اشلاء بشرية ونظرلايديه ليجدها وقد علقت بها بقايا من اجساد ودماء اقاربه او اصدقاءه .. جريمة ضد الإنسانية ترتكب امام اعين العالم اجمع  
ولان الجريمة وقعت في داخل نطاق نداء إسلامي منهجي يدعو علنياً  إلى كره الأقباط وقتلهم، اتجهت انظار العالم كله نحو ردود الفعل الإسلامية التي وجدت من الضوري لنا قراءتها
    
اول ردود الفعل الاسلامية واكثرها حزناً جاء من إمام الجامع المجاور لكنيسة القديسين والذي راح مناديا "الله اكبر" في نفس الوقت الذي كان اخوته في الوطن والإنسانية على بعد امتار قليلة ينبشون جثث اصدقائهم في محاولة للعثور على افراد مفقودين وسط اشلاء اجساد ودماء اقاربهم وجيرانهم واصدقائهم  .. مناداة الله اكبر ليست اجنبية عن الجرائم المماثلة التي يرتكبها الإسلاميون في اماكن متفرقة من العالم ضد الكفار.. لقد نادى بها منفذي عملية ١١ سبتمبر وتكررت نفس المناداة في صرخات منفذ عملية بالي وقالها قاتل ثيو فانجوخ بعد ان غرس السكين في صدره بلا رحمة، وصرخ بها النيجيريون بعد انقاموا بالتنكيل بجثث النساء والاطفال في جريمة من نفس النوع .. فمناداة الله اكبر تكاد تكون جزء لا يتجزء من هذه الجرائم البشعة الخالية من الرحمة الإنسانية   

   ولكن الصورة ليس كلها قاتمة فهناك بصيص من النور ينير الطريق للحرية والعدل والمساواة  .. هناك بعض المسلمين اللذين استنكروا هذا الفعل الاجرامي و قدموا انفسهم كدروع بشرية لحماية المصليين المسيحيين.. فقد حضر عدداً من الممثلين المصريين صلاة العيد في الكنائس وشوهدت الدموع على اوجه بعضهم .. ( الممثلين ذهبوا ليعلبوا دورا وطنياً انسانيا ووسطهم اختبأ اشخاص من غير الممثلين واللذين ذهبوا ليلعبوا ادواراً تمثيلية لا علاقة لها بالوطنية او بالإنسانية) ايضاً قام بعض الصحفيين بتقديم برامج جريئة تنادي بالمساواة ... واعتقد ان الكثير منا يعرف اصدقاء مسلمين  فعلوا نفس الشيئ .. قصت لي ابنة عمي عن صديق العائلة المسلم الذي ذهب إلى منزل والدتها  وقال لها "البسي يا خالتي انا همر اخدك نروح الكنيسة نصلي ليلة العيد مع بعضينا".. ردت الوالدة  في انذهال: "يا ابني انا مش عاملة حسابي اروح الكنيسة وانت..." فقال لها: "النهاردة هتروحي يا خالتي، هتروحي معاي، يا هنعيش سوا، يا هنموت سوا"٠ 
ارفع قبعتي لهؤلاء المسلمين اللذين لم يكترثوا بتهديدات الإسلاميين وفضلوا الموت على ان يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يروا اخوة لهم في الوطن وهم يقتلون بسبب انتمائهم الديني 

ولا يفوتني ان اذكران بعض المسلمين الاحرار قد كتبوا عن الابادة العرقية والدينية للاقباط وطالبوا بمساواة الأقباط مع المسلمين في اعتلاء الوظائف وبناء دور العبادة. وقد ذهب بعض من احرار المسلمين إلى حد المناداة بمحاكمة الدكتور سليم العوا والذي حملوه مسؤلية التحريض على ارتكاب هذه الجريمة الغير انسانية.. هؤلاء المسلمين رغم قلة عددهم إلا انهم يملكون في ايديهم تقديم نصف الحل السلمي لقضية اضطهاد الاقباط ، وتصفيتهم العرقية المنهجية... النصف الآخر يملكه الأقباط

 هناك فرقة من المسلمين ذهبوا للدفاع عن الإسلام ليبعدوا بالإسلام عن هذه الجريمة البشعة ...وقاموا بتوجيه خدمات الوعظ للمسيحيين في مواضيع إسلام السلام والمحبة.. واستماتوا في انكار ان يكون للإسلام اي دور في التحريض على مثل هذه الجريمة البشعة. ولهؤلاء اقول؛ لماذا توجهون وعظكم هذا للمسيحيين والغربيين؟؟  هل اساء مسيحي فهم ايات القرآن وقام بتفجر نفسة ليقتل الكفار؟؟ هل اساء مسيحي فهم تفسير الفقهاء ودعى لقتل النصارى؟؟؟ لماذا لا توجهون خدمات تصحيح المفاهيم الإسلامية لمن تظنون انهم اساءوا فهمها، بدلاً من توجيهها لضحايا الإسلام -الذي تسمونه انتم- "المتشدد"؟؟ نحن لم ندعو لإسلام الحرب والقتل وكره الآخر ولكننا نعاني منه  .... نحن لا نقرأ القرآن ولم نفسر آياته ولكننا ندفع الثمن لمن يقرأون الآيات وتفسيرها   

من المسلمين من قال ان المسيحيين لهم عهد حماية في الدولة الإسلامية  ... متجاهلين حقيقة ان عقد الحماية هذا ما هو إلا عقد استسلام واذلال .. فهناك اسئلة كثيرة علينا بطرحها لهؤلاء... ما هي شروط عقد الحماية؟؟ وما هو جزاء الإخلال بالعقد؟؟؟ و ممن ستحموننا؟ من المعتدي الغريب ؟ ام من اعتدائكم انتم علينا؟؟؟    
ولكن اسوأ ردود الفعل اطلاقاً واكثرها ضررا للقضية القبطية في رأي  جاء في حملة الدكتورعمرو خالد والتي اعجب لما لاقته من تأييد من موقع الأقباط الأحرار.. سأتناول هذه الحملة الضارة تفصيلاً في مقال منفصل

Tuesday, October 19, 2010

الوحدة قناعة وسلوك، وليست إتفاقيات وصكوك



بقلم إستير أبيحائل

انها سخرية القدرأن تنفجر المظاهرات، في نفس الأسبوع، في دولتين، تبعد الواحدة عن الآخرى مئات الآلاف من الأميال. خرج شعبان إلى شوارع مدنهم في نفس الأسبوع،  خرج الواحد منهم لينادي بالحياة، وخرج الآخر لينادي بالموت. في جنوب أمريكا خرج الشعب التشيلي يهتف بهتافات الفرح والحب والوحدة، و في الشمال الشرقي الأفريقي خرج جزء من الشعب المصري ليهتف بهتافات البؤس والكره والموت٠

لقد ترقب العالم أجمع عملية إنقاذ عمال المناجم المحتجزين في أعماق الأرض السفلى في تشيلي .. ورغم أن عملية الإنقاذ الغيرعادية، من الناحية التقنية، قد لعبت دوراً كبيراً في جذب إهتمام العالم، إلا أن سلوك الشعب التشيلي الذي توحد بكل خلفياته العلمية، والاجتماعية، والإقتصادية، والدينية، والعرقية لإنقاذ عدد قليل من العمال البسطاء، قد إستأثر على الحييز الأكبر من اهتمام العالم. بينما لم تنجح الفتنة الطائقية في مصر من الوصول الي العالم وجذب اهتمامه٠
 
لقد تسبب انهيارجزئي في أعماق الأرض، في اغلاق مخرج أحد المناجم في تشيلي مما تسبب في احتجاز ٣٣ عاملاً من عمال المناجم اللذين لم يجدوا بديلاً عن البقاء معاً في كهف صغير، بحجم غرفة الصالون، يبعد حوالي الكيلومتر عن سطح الأرض... عرف هؤلاء العمال قدر الخطر الذي يواجههم.. فهم يعرفون ان محاولة الوصول اليهم ستستغرق عدة اسابيع او ربما شهور وانها عملية لا تخلو من الخطورات .. ولكن اليأس لم يجد له مكاناً بينهم في هذا المكان الخانق المظلم.. ربما لأنهم يعرفون ان فوقهم على سطح الأرض، يمشي اناساً يقيّمون حياتهم وحياة أُسرهم، ويعرفون ان شعبهم لن ينام ولن يدع العالم ينام إلا بعد ان يخرجهم أحياء من تلك الأعماق البعيدة.. وبالفعل تحرك الشعب التشيلي إنطلاقاً من قناعاته وإيمانه بأن قيمة الإنسان تكمن في نفسه وفي فرديته وليست في انتمائاته الدينية أو الثقافية أوالإقتصادية أوالعرقية٠
 جند الشعب التشيلي -بكل قطاعاته- جهوده وأمواله وكفائاته، ولم يستحوا من "الإستقواء" بالدول الأكثر تقدماً في هندسة المناجم التي أمدتهم بالمعدات والخبرات.. واخيرا وبعد حوالي السبعين يوما تم انقاذ العامل الأول، الذي خرج إالى سطح الأرض ليجد الشعب التشيلي في شوارع المدينة، وهم يراقبون عملية الإنقاذ من خلال شاشات عملاقة وضعتها الحكومة في أماكن متفرقة من المدينة ..وجدهم يصرخون معاً بفرح و يهنئون بعضهم البعض .. وجدهم يرقصون حول علمهم احتفالاً بحياته! ..  و بعد أقل من ٢٤ ساعة من إنقاذ العامل الأول خرج العامل الاخير ليجد الرئيس التشيلي البليونيرسيباستيان بينيرال في إستقباله ليحيه ويبعث فيه أملاً جديداً إذ همس في أُذنه "أنت لن تكن على ماكنت عليه من قبل أبداً .. وكذلك تشيلي لن تكون على ما كانت عليه من قبل مرة اخري" .. .. فتشيلي اخذت قوة جديدة من حب شعبها بعضهم لبعض .. من اتحادهم حول علمهم٠
 وما ان أعلن رجال الإنقاذ انهم أخرجوا جميع الرجال احياء إلا وانطلقت الأفراح في جميع شوارع المدن التشيلية .. فقد اطلقوا بالونات بألوان العلم التشيلي .. لبسوا العلم على اعناقهم ورفعوه فوق رؤوسهم. وقاموا برش الشامبين كما يفعلون في أيام افراحهم وانتصاراتهم .. هتف التشيليون كمن يهتفون عندما يحرز فريقهم هدف الفوز!١

وفي نفس هذا الوقت شهدت شوارع مصر ما سميناه نحن بإشتعال الفتنة الطائفية. اعتقد إننني في غنى عن أن اقص لكم قصة هذه الفتنة ولماذا اشتعلت.. لقد اشبعتنا الصحافة بتفاصيل هذه الاحداث المؤسفة.. فكلنا نعلم عن الإتهامات الموجهة ضد الأقباط والتي سموها "التطاول في المطالبة بحقوقهم" و "الإستقواء بالخارج" ..كلنا نعلم بهتفات المظاهرات المعادية للأقباط والتي هتفت بالكره والقتل والشقاق٠

في نفس الوقت الذي رقص فيه التشليين، بكى فيه المصريين. وفي نفس الوقت الذي أجبرفيه الشعب التشيلي العالم كله على الإلتقاء عند بئر صغير في وسط الصحراء، لإنقاذ نفر قليل من العمال الفقراء، تمكن المصريون من إبعاد العالم كله عنهم ليملئوا مدنهم بالمناداة بالكره والتخريب والموت؟
 
 هم خرجوا ليدافعوا عن حق المواطنين الأقل دخلاً في الحياة، وبعضنا خرج للإعتداء على حق المواطنين الأقل عدداً في المساواة أمام القانون.. هم انفقوا أموالهم، و بذلوا أقصى جهودهم لإعلاء راية الحب بعضهم لبعض، و ..بعضنا أيضاً صرفوا الأموال وبذلوا المجهود، ولكن ليعلوا راية الكره للآخر.. هم تصرفوا من تلقائية قناعاتهم بأن قيمة الإنسان تكمن في فرديته .. وبعضنا ايضاً تصرف من تلقائية قناعاتهم بشن العدوان على الخاج عن الجماعة .. هم اتحدوا من تلقائية حبهم لبلدهم واحترامهم لبعضهم البعض .. ونحن تفرقنا من تلقائية قناعات البعض بأن دين يعلو عل دين في الدولة.. هم سلكوا بتلقائية إيمانهم بأن الناس كلهم سواسية أمام القانون بغض النظرعن ديانتهم أو لونهم أو عرقهم أو حالتهم الاقتصادية ... و بعضنا أيضاً سلك بتلقائية المفاهيم والإيمان بأفضلية المسلم على غير المسلم..  وفي الآخير هم صاحوا صيحات النصر والوحدة عندما نجحت مجهوداتهم في انقاذ ثلاث وثلاثون من عمال المناجم.. صاحوا لأنهم أحبوا واتحدوا.. وصحنا نحن بصيحات الهزيمة.. هزيمة شعب عندما انتصرفيه دين على آخر.. هزيمة وحدة انتصر فيها مواطن على آخر .. صحنا صيحات الكره والفرقة٠

 التشيليون لم ينادوا بالوحدة ولكنهم حصدوها من بساتين الحب والمساواة التي زروعها. احتفلوا كما يحتفل الرجل يوم زواجه من المرأة التي أحبها..  اما عن المصريين، فقد أصابهم الإعياء من عقد الاجتماعات والاتفاقات بشأن الوحدة، ولكنهم لم يجنوا غير الفرقة وإتساع المسافات بين المواطن واخيه المواطن .. فهل يحصد وحدة من امتلأت بساتينه بكره الآخر، والإستعلاء عليه؟ كيف يعد الرجل ليوم زفافه من امرأة رفضت الزواج منه بعد ان صارحها بكرهه لها؟؟  
 
يا رب إرحم

Wednesday, September 29, 2010

!الفتنة النائمة


بقلم إستير ابيحائل
  
ا" الفتنة نائمة، لعن الله من ايقظها" -- حديث، يقول علماء المسلمون انه ضعيف،  إلا ان الإسلاميين قد استطاعوا بمهارة فائقة من إستخدامه في تشكيل ثقافة الخوف بين الشعوب التي غمروها بمفاهيمهم وثقافتهم ...  فقد صور لنا الإسلاميون ان الفتنة   اقوى وأشد من القتل.. فهم يصفون الفتنة كمنيصف الأشخاص. فيقولون انها تغضب وتهدأ، تنام وتستيقظ، تضرب وتنتقم وتقتل، ولايسألها احد عما تفعل! قال عنها العالم الإسلامي، الدكتور سليم العوا  "في زمن الفتنة لا يسمعوا للعقلاء" .. فهي تفرض سيطرتها على حامليها بعد ان تزج بهم في منطقة اللا شعوروتسلبهم ارادتهم. يتكلم الإسلاميون عن الفتنة وكأنها غول يهدأ وينام في صدورهم طالما أطاعهم الناس وثم يستيقظ ليحرق الأرض وما عليها اذا ما خالفهم احداً. يقول لنا الإسلامييون انهم يحملون بين صدورهم غول رهيب، وانهم لايملكون تهدئته. فقد القوا بمسؤلية تهدئة غول الفتنة وإستيقاظه على اكتاف الأقليات غير المسلمة..فإذا اطاعوا تنام الفتنة وإن هم عصوا تستيقظ الفتنة لتحرق الأخضر مع اليابس.. وامعاناً في تخويفنا قالوا لنا اننا اذا ازعجنا الفتنة فإنها تقوم لتفترسنا، و تدمر ممتلكاتنا وتهتك اعراضنا. قالوا ان " الفتنة" تستقيظ إذا خالفنا ما شرطوا علينا من شروط الآمان، تقوم لتأخذ الآمان منا!! الخيار لنا، فإذا اردنا ان ننعم بالسلام علينا ان لا نُحدث "اي لا نبني" في مدينتنا كنيسة. ايضاً لا نجدد ما خرب من كنائسنا، فصوت خراب الكنائس لا يزعج نومها، ولكنه صوت بنائها يفزعها من نومها. وحتى يقوم الإسلاميين بواجبهم الإنساني الرحيم .. اعطونا قائمة مزعجات الفتنة! القائمة طويلة فيها التحذير من ان يرد على دين الإسلام بالتكذيب وفيها التحذير من مولاة أعداء الإسلام، ومنها عرفنا ما يجب ان يكون عليه لباسنا، وكيف نقرع نواقيسنا وكيف ندفن موتانا. ويقول الإسلاميون ان محاولة الإستنجاد من الفتنة (أوالإستقواء)  بالخارج سوف تزيد هذا الوحش القاتل هياجاناً. وعلى العقلاء ان يدعوا الفتنة نائمة لأننا نحن واياهم وبيننا غول الفتنة موجودون داخال أسوار عالية لن يفلح معها العالم الحر في الوصول الينا ولا لأصواتنا الوصول اليه    
وهكذا فنحن امام غول لا يقبل بغير قتلنا او ابقاءنا على الصغار. فإذا رفضنا الصغار، تنزع الفتنة بيد من تسكن صدورهم ما كان لنا من آمان في أرضنا وتعطي لهم منا ما كان لهم من اهل العناد!! فغول الفتنة نائم تحت خدمة الإسلامين ويعود لتشرسه كلما خالفهم اواعترضهم احد. الفتنة لا تشفي غليلها من الأقباط فحسب  ولكنها تستيقظ كلما عارض احدهم الإسلاميين. فقد تقوم الفتنة على من ارتد عن الإسلام او على من فسره بغير ما يفسره الإسلاميين

قصة "الفتنة النائمة" لم تحظى بعد بلقب "الأسطورة" الذي حظت به قصة "الأميرة النائمة"، رغم انها قصة اغرب من الخيال. ولم تحظى ايضا القصة بلقب "التاريخ المظلم" الذي حظت به قصة الصليبيين رغم انها اكثر ظلاماً من العصور الوسطى. يبدو ان الفتنة مازالت قصة حقيقية يعيشها المصريون، يعانون منها، يكتبون عنها، بعضهم يهدد بها و البعض الآخر يخافها، ويعملون لها الف حساب،  ويطرحها الإسلامييون على مائدة الحوار القبطي الإسلامي كشرط من شروط النسيج الواحد ويجاوبهم الأقباط عنها. يحملها الإسلاميون وزر جرائمهم ويقف الأقباط امامها في حيرة من نفسهم   

الفتنة النائمة ليست خيال ولم تصبح بعد تاريخ فهي واقع نعيشه. الفتنة التي تنام في صدر الإنسان لا ترفع منه بل انها تصّغرنفس حاملها قبل ان تتمكن من سلب إرادته واستخدامة بالطريقة التي تحلو لها. فها هي تدمر حامليها تاركةً اياهم بين نيران الحقد والكره والوهم والتخلف. نراها تشق الصف و تبث الكره. نراها تضر بصاحبها بقدر ما تضر بالآخر 
فالفتنة توهم صاحبها بانه يملك الحقيقة المطلقة فيعيش في وهم يعجزه عن توسيع افقه وقبول الآخر
الفتنة لا تدرك ان لصاحبها حدود لا يجوزله تجاوزها، وهي لا تدرك ان الشخص الآخر له فرديته وحريته وهو ليس من ملحقات حاملها
الفتنة تفرض على الآخرالتعاون معها دون الإلتفات لمشاعر هذا الآخر واحتياجاته 
الفتنة تعتمتد على ضعف الآخر الذي لا يقدر على المقاومة
الفتنة تطلب ممن تعتدي عليهم ان يكنّوا لها الإمتنان لانها ابقتهم احياء 
الفتنة تعمل بميكانيكية الجماعية البدائية، فهي تتجاهل وجود الفرد و ترجع تصرفاته للجماعة فالفرد ياخذ قيمته من انتمائه للجماعة وليس من ابدعاته و تفوقه او من نقصه وانحلال سلوكه
الفتنة تحمِّل من تعتدي عليهم مسؤلية اعتدائها عليهم
الفتنة تضرب بحرية الإنسان واحترامه لنفسه و لغيره عرض الحائط
الفتنة تسلب حاملها عقله و عقلانيته، تفقده علمه و تعلمه تفقده مشاعر الرحمة الإنسانية و الأُخوة و الإخاء
  
ما هي خيارات غير المسلمين امام اطروحة الفتنة؟
لابد من الإشارة إلى ان الفتنة تطرح خياراتها بعد ان ينتهي دود خيارات الجهاد
فالخيار يبدأ بالإختيار بين دخول الإسلام،و بين القتال والهرب إلى خارج البلاد ، أوالذمة. ثم بعد ذلك تأتي الفتنة لتطرح خياراتها على من تبقى من المواطنين الذين لم يهربوا ولم يقتلوا   
هذه هي خيارات الوحدة الوطنية كما تطرحها "الفتنة"٠
الإختيار الأول: أن يقبل الأقباط "الذمييون" التنازل عن حقوقهم في مقابل آمانهم والتحامهم باخوتهم في الوطن؟  وأن تتراجع الكنيسة عن المطالبة بمساواة الأقباط مع المسلمين أمام القانون فكما قالت الدكتورة الشيخة سعاد صالح في تأكيدها بعدم امكانية اعتلاء القبطي لمنصب رئيس الجمهورية "لا ولاية لغير المسلم على المسلم". وان لا يجاوب المسيحيين اتهام القرآن لهم بالكفر والنجاسة ولا يدافعوا عن إيمانهم فيما كذبه القرآن، حتى لا تهدم كنائسهم. وأن يرضى الأقباط بالوظائف الأدنى في الدولة حتى لا تخطف نساؤهم  ويعتدى عليهن؟ و أن ينفذ قداسة البابا شنودة حكماً مدنياً يقضي بإجبارالكنيسة بالقيام بطقوس دينية مخالفة للعقيدة المسيحية حتى لا يُهدر دم الأقباط؟
الإختيار الثاني: هو أن تستمرالكنيسة القبطية والأقباط في مطالبهم العادلة بالمساواة  وبحرية اعتناق الدين وممارسته في العلن. وأن يصر قداسة البابا على رفضه لتدخل القضاء في العقيدة المسيحية وكيفية ممارسة طقوصها. و ان يواصل الأقباط مطالبتهم بان تحمى اعراضهم وممتلكاتهم من هجمات الإسلاميين المفتونين. وأن يرفض قداسة البابا الخضوع للتهديد والترهيب من هذا الغول الشرس الساكن في قلوب الإسلاميين 
 اذا اخذ الأقباط باختيار الفتنة الأول يعيشوا في بلدهم صاغرون مذلولون واذا أخذوا باختيار الفتنة الثاني .. أفلن يدفعون ثمناً قد يفوق ما يملكون؟

هل من المعقول ان تكون الفتنة النائمة طرح من اطروحات مسألة الوحدة الوطنية؟

هل يعقل ان تجادل حقوق غير المسلمين في القرن الواحد والعشرين بمفاهيم الفتنة التي تنام وتستيقظ على هوى الإسلاميين؟ كيف نضع الأقليات أمام إختياريين افضلهم ان تُسلب حريتهم والآخر أن يقتلوا و تؤخذ نسائهم مع غنائم المسلمين؟  كيف نقبل مفهوم العقوبة الجماعية التي تنزلها الفتنة على كل الأقباط عندما يخالف فرداً منهم شروط الإسلاميين؟ كيف نتحاور مع غول لم يسمع في حياته عن مواثيق حقوق الإنسان ولا يهمه الإنسان وحقوقه؟ الى متى نحمِّل الفتنة مسؤلية اخفاقنا في قبول التعددية وإحترام فردية الإنسان

محاولة معالجة قضية وطنية كقضية حقوق الأقباط - والاقليات المعارضة للإسلاميين -- كالمتنصرين والقرآنيين والبهائيين والعلمانيين - في داخل اطار الوحدة الوطنية والنسيج الواحد من منظور "الفتنة النائمة" الذي كان السبب في المكانة الأولى في معاناة الأقليات وردهم عن حقوقهم الدستورية لن يقدم حلا للمعايشة السلمية بين ابناء الوطن الواحد..الفتنة تمد يد قوية لظلم الأقليات وتبث الخوف في قلوبهم، وتعمل على صغر نفوسهم مما يصعب معه بناء الشعوب.. فالشعوب تبنى بإحترام الفرد وإنسانيته، ووحدتها تستمد حياتها من بالصدق والعدل والمساوة امام القانون  
  الفتنة بمعطياتها المقدمة من الإتجاه الإسلامي لا يمكن ان تقدم خيراً للوطن وللمواطنين بل انها تعمل على استضعاف خيوط النسيج الأقل تبيناً. الفتنة النائمة ظلم، ووجودها على طاولة المدوالات القبطية الإسلامية فيه إمعان في ظلمهم وتخويفهم واستضعافهم.  الظلم شر، والشر لا يبني نفس الإنسان، فالظالم والمظلوم كلاهما يقعان ضحية الكره، والقتل، والانقسامات، ويبقى الوطن المنقسم حبيساً للتخلف والفقر والبؤس.. "الفتنة النائمة" وقود يشعل نارالظلم في قلوب الأقباط ونارالكره في قلوب المسلمين

لنطرح نحن ايضاً خياراتنا

امامنا اختيارات أٌخرى عديدة غير تلك الخيارات التي تقدمها لنا الفتنة. اول هذه الخيارات هي ان نختاران لا نصدق اننا امام خيارين لا ثالث لهما
لنا ان نختار ان نطرح الخوف خارجاً
أن  نرفض الشعور بالإمتنان للفتنة التي لم تفتك بنا بعد
أن نتكلم و لا نصمت
 أن نرفض أن يكون الطريق الوحيد للوحدة الوطنية هو اذلالنا
أن نرفض تحمُّل مسؤلية الجرائم التي ترتكبها الفتنة
 أن نلفظ الفتنة و كل ما بها من كره و دمار وقتل  
نحن نملك خيار المصالحة التي ستقدم السلام المبني على العدل والمساواة واحترام فردية الإنسان
نحن نملك انفسنا ونملك أن لا ندع مفاهيم الفتنة تمتلكنا  
نحن نملك ان نأمر الفتنة بأن تحمل عصاها على كاهلها وترحل عن أرض مصر بلا رجعة