Monday, January 17, 2011

إنترنت بلا فتنة: إمعان في الإعتداء على حقوق الأقباط



بقلم إستير أبيحائل

في وسط ضجيج الجريمة البشعة التي وقعت أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية، تلك الجريمة التي إهتزت لها ضمائر البشر من جميع خلفياتهم العرقية والدينية والسياسية. وبين مستنكر، ومدافع، ومبرر ، ومؤيد للحدث ، طل علينا الدكتور عمرو خالد بحملة اسماها "انترنت بلا فتنة" .. حملة تظهر من لفافتها الخارجية وكأنها دعوة لسكنى المدينة الفاضلة .. إلا ان القارئ المدقق لما تدعو له هذه الحملة سيجدها عبوة ناسفة لمفاهيم المساواة وعدم التمييز بين المواطنين بسبب دينهم  ..  سيجد القارئ  إنها حملة تؤكد وتثبت مفاهيم ان قيمة المواطن وحقوقة تبنى على هويته الدينية.. في داخل هذه الحملة مفاهيم مدمِّرة للمساواة بين المواطنين بغض النظر عن دينهم  أو لونهم أو عرقهم.. و هي مبادئ الحرية التي دافع عنها كثير من الأقباط والمسلمين ودفعوا فيها ثمنا غاليا من أوقاتهم وأموالهم ودمائهم ليحرروا الشعب المصري منها  .. هذه الحملة لا تخلو من تخويف وتهديد الأقباط، والمطالبة بكبت مطالبهم كثمن للسلام .. لا أقول هذا لأنها دعوة من داعية إسلامي، كما اقترح البعض ، ولا شأن لكبر سني او صغرة بهذا الإعتراض ايضاً.. ولكني اقول انها حملة ضارة لانها  مشت بأرجلها فوق التصفية العرقية والدينية والإضطهاد المنهجي الذي عانى منه الأقباط ومازالوا يعانون بدون استدراك لتلك المعاناة.. بدون تقديم كلمة اعتذار واحدة ... هذه الحملة الضارة التي تزينت بكلمات رنانة كالتعددية وقبول الآخر المختلف تثّبت في جوهرها وتؤكد في كل من اهدافها ونياتها ووسائلها مفاهيم الإعتداء على حقوق الأقباط وتحميلهم مسؤلية الإعتداء عليهم

هناك الكثير بل والكثير جدا مما يمكن ان نقوله عن هذه الحملة الضارة - على احسن تقدير. لذا سأفرد عدة كتابات لهذا الموضوع حتى لا اجنح لتجاهل طرح أي من التساؤلات والحجج الهامة، وفي نفس الوقت لا اثقل على القارئ  بمواد وحجج تفوق الحجم المحدد لهذا المكتوب 
  
 يقول الدكتور عمرو خالد ان لحملته اهداف ثلاثة و نيات ثلاث ووسيلتين للوصول لأهداف الحملة . سأتناول كل منها تباعاً .. ولكن إسمح لي عزيزي القارئ ان ابدأ بمن وجهت لهم الحملة

 الأقباط مسؤلون عن الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب ضدهم
الحملة موجهة للمسلمين والمسيحيين مناصفة!!  يقول الدكتور عمرو في حديث اجرته معه لميس الحديدي وفي حضور الأُستاذة بسنت موسى  مدير تحرير الأقباط متحدون الموقع القبطي المشارك في الحملة  " وجود الاقباط متحدون في هذه الكوكبة [المواقع المسلمة]، بيديها شكل  فيه كلام للجميع،  يعني .. الحملة بيقوم بيها الطرفين ، وموجهة لتطرف الطرفين، وبالتالي لابد ان يكون الطرفين ممثلين ... في مواجهة المتطرفين في الجانبين ... لو كان كل المواقع مسلمة بس، كأننا بنقول ان المشكلة عند المسلمين بس "١  
 اذاً فالحملة  " فيها كلام للجميع" وهي "تواجه المتطرفين من الجانبين" و"المشكلة مش عند المسلمين بس"على حد قول شيخ عمرو
فهذه الحملة تحمِّل نصف مسؤلية الإعتداء الإسلامي المتطرف على الأقباط للأقباط انفسهم، بلا خجل!!٠
فحملة "انترنت بل فتنة" تحمل الأقباط نصف مسؤلية القتل البشع الذي حدث لهم في الكشح، ونجع حمادي، و دير ابو فانا والإسكندرية . تحملهم هذه الحمله ايضاً نصف مسؤلية خطف بناتهم والاعتدا الجنسي عليهن واسلمتهن جبراً. ومسؤلية حرق منازل الاقباط و الإعتداء على كنائسهم تقع على الأقباط مناصفةً مع الإسلاميين.  هذه الحملة تعتبر الأقباط مساهمون مناصفةً في عدم اعتلائهم للوظائف العليا !!٠

كيف لحملة تبعد بالمعتدي عن مسؤلية الإعتداء وتلقي بها على عاتق المعتدى عليه أن تأتي بنفع لقضية المعتدى عليه؟؟ هذه الحمله هي في حد ذاتها إعتداء صارخ على حقوق الأقباط بل وحقوق جميع الأقليات  المصرية غير المسلمة، فكيف نشارك نحن فيها ونروج لها؟؟
نحن نعلم والعالم كله يعلم معنا من هم المتطرفون الإسلاميون، فهم هؤلاء المجرمون اللذين يرتكبون جرائم قتل بشعة ثم يصيحون "الله اكبر" و يسمون ضحاياهم "الكفار" او يعتدون على النساء لأنهم "حلال" لهم. هم من يحرقون الكنائس لأنها "دار للكفر". ولكننا لا نعرف من هم المتطرفون الأقباط المشار اليهم في حملة الداعية الإسلامي؟؟ هل رأيت قبطياً يفجر نفسه مع الأبرياء ويصرخ "المجد لله في الأعالي"؟؟ هل رأيت قبطياً يحرض على انقاص حقوق المسلمين في مصر؟؟الهم الا اذا كان الشيخ المحترم يشير إلى صراخ نشطاء الأقباط من الألم والظلم والقتل الواقع علينا على انه تطرفاً. أو ربما اعتبر الشيخ عمرو المظاهرات التي فجرها الأقباط بعد حادث الإسكندرية البشع للدفاع عن حقهم في الأمن في داخل بلدهم تطرفاً. او ربما كما اقترح من قبله الدكتور سليم العوا "تطاول الأقباط في المطالبة بالحقوق" او ربما اعتبر صاحب الحملة ان رفع الأقباط لقضيتهم للمجتمع الدولي ومطالبتهم بحماية حقوقهم من الإعتداء عليها يعد تحريض على الفتنة. او ربما قد يسميه الشيخ عمرو "إستقواء بالخارج"، بعد ان أُدرج العداء على الأقباط تحت قائمة " الشؤون الداخلية لمصر". كيف يدان المجني عليه في جريمة هو ضحيتها.. أليس هذا امعاناً في الإعتداء على حقوق الأقباط؟؟

مافيش مشكلة
الحملة لا تشير من بعيد ولا من قريب لما يعانيه الأقباط من ظلم وإضطهاد ومن الإبادة الجماعية .. وتبتعد عن الخوض في تفاصيل القضية القبطية ، فقد صنعت أُذن من طين وآُخرى من عجين ، و تجاهلت معاناة الأقباط في تولي المناصب العليا وخطف البنات وهتك الأعراض وقتل الأبرياء ، وما يتكبلون من خسائر ناتجة عن حرق منازلهم واماكن عملهم ودور عبادتهم... وكأن شيئاً من هذا القبيل لم يكن أو يستحق الذكر.   يا رب إرحم 
أهداف الحملة الثلاثة  
الهدف الأول:  "محاصرة التحريض على الفتنة بين طرفي الأمة"٠
وعندي الكثير لأقوله عن "التحريض" وعن "الفتنة" ومفاهيم كل منهما الضارة لحقوق الأقليات الغير مسلمة والتي تعيش تحت الحكم الإسلامي، ولكن دعوني  ابدأ بطرح تساؤلاتي عن ما هو المقصود ب"طرفي الأمة"  لأنه المفهوم الأصلي الذي بنيت عليه ثقافة الإعتداء على حقوق الأقباط

طرفي الأمة
لأي أُمة يشير الدكتور عمرو؟؟ فهل يقصد الشعب المصري  بمسلميه ومسيحيه ؟واذا قصد الشعب المصري وقام بتقسيم مواطنيه - بلا خجل - بحسب انتمائاتهم الدينية ، فلماذا اقتصر انتماء المواطنين على طرفين فقط ؟؟  هل للمواطن في هذه الأمة حق التخلف عن الإنتماء لأي من هذين الطرفين الدينين؟؟ لماذ اغفل الدكتور عمرو إدراج من لا ينتمون للمسيحية ولا للإسلام من هذا التقسيم الديني للدولة؟ اليس بين المصريين  "لا دينيين" ؟ وهل من مكانة في الأمة للمرتدين عن الإسلام سواء اعتنقوا ديناً آخر او لم يعتنقوا أي من الأديان؟؟ ولم يحدثنا صاحب الحملة عن مكانة القرآنيين والبهائيين و العلمانيين في الأمة؟؟  
أم إن الدكتور عمرو يشير في حملته لأُمة الإسلام بطرفيها المسلم والذمي ، والتي لا تمنح الذمة لمن لا كتاب له و تقتل المرتد والخارج عن الإمام وعن شرع الإسلام ؟؟
اهذه حملة للدفاع عن حقوق الأقليات، ام انها حملة للإمعان في الإعتداء على حقوق الأقليات؟؟
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه في مسألة "طرفي الأمة" هو: كيف توزع الحقوق بين طرفي الأُمة؟ فهل تتساوى حقوق المواطنين اللذين تم تقسيمهم بحسب عقائدهم الدينية؟ فهل للذمي نفس حقوق المسلم في بناء دور العبادة و الولاية، اسوة بالمواطن المسلم في الأمة؟؟ أم ان الداعية الإسلامي ما يزال متمسكاً بأحكام الإسلام في "عدم جواز قتل المسلم بدم الكافر" و "عدم جواز ولاية غير المسلم على المسلم" و "عدم جواز بناء الكنائس في الأرض الإسلامية" و"عدم جواز ترميم ما خرب من الكنائس التي بنيت قبل ان تؤل الأرض للمسلمين"؟؟ وبأي من الأديان ستحكم هذه الأمة التي قسمت مواطنيها واستثنت بعضهم بما ينتمون له من الأديان؟؟نحتاج لتوضيح لكل هذه المسائل المصيرية والتي انتهكت حقوقنا وحقوق غيرنا من الأقليات غيرالمسلمة أو الخارجة عن الإسلام٠

الفتنة 
من الغريب ان الدكتور المحترم صاحب دعوة "انترنت بلا فتنة" قد أغفل -بقصد او بغير قصد، لست ادري-  تعريف "الفتنة" المقصودة في حملته .. رغم انها نفس الكلمة التي استخدمت لإثارة هذه الجرائم البشعة ضد الأقباط. فهل هذا اقرار بأن الأقباط قد ايقظوا هذه الفتنة وعليهم تقع مسؤلية تهدئتها؟؟ وهل لنا ان نستنبط معنى الفتنة المقصودة في الإشارة للآية القرآنية "الفتنة اشد من القتل".  فما هو المقصود بالفتنة اشد من القتل؟ فهل "الفتنة" هي "الكفر" و"الصد عن الإسلام" كما اتفق على تعريفها علماء الإسلام؟؟
قال الطبرسي في تفسيره مجمع البيان في تفسير القرآن في معرض تفسيره لسورة البقرة والآية ١٩١ " الكفر فتنة لأن الكفر يؤدي إلى الهلاك وقيل لأن الكفر فساد". وقد قال مفسر القرآن المرموق ابن كثيرفي نفسير القرآن الكريم "ماهم مشتملون عليه من الكفر بالله، والشرك به، والصد عن سبيله، ابلغ وأشد وأطم من من القتل"٠
الفتنة التي يواجهها الشعب المصري ليست فتنة اخلاقيات -كما تحاول هذه الحملة بتصويرها- ولكنها "فتنة" مفاهيم .. لا يمكن ان نصلح الأخلاقيات ونحن متمسكون بالمفاهيم التي تسببت في انتاج هذه الأخلاقيات .. فكيف نجني محبة ونحن نزرع الكره وكيف نجني وحدة ونحن نثبت مفاهيم الفرقة؟؟ 
نحتاج لتوضيح هذه المفاهيم. فمن غير المعقول ان يستخدم داعية إسلامي موقر نفس التعبير الذي يستخدمه الإسلاميون كحجة لقتل الأقباط بدون ان يجاهربإستنكاره لهذا المفهوم الذي تسبب في قتل الأبرياء أو ادانته. التعددية وإحترام الآخر تبدأ بدحر مفاهيم تحقير الآخر وإدانة إستخدام الالفاظ المسيئة ك"الكفار" و "الضالون" .. وليس بمطالبة الآخر بالكف عن الإعتراض على دعوته  كافراً أو نجساً  
الأقباط يبحثون عن السلام ولكنهم لن يرضوا بغيرالسلام المبني على العدل والمساواة امام القانون. الأقباط ينقبون عن مفاهيم قبول الآخر ولكن ليس على حساب إغفال الإنتهاكات المنهجية المقننة ضدهم٠ الأقباط سيواصلون في تقديم المحبة لمن يطهدونهم ولكنهم لن يسمحوا لمضطهديهم أن ييستعملوا هذه المحبة كسلاح للإمعان في الإعتداء عليهم٠ 

اتوقف هنا حتى لا اطيل على القارئ واعود مرَّة آخرى لأفحص مفاهيم "التحريض على الفتنة" وما تبقى من المفاهيم المضمنة في أهداف حملة انترنت بلا فتنة

No comments:

Post a Comment

ارجو الإلتزام بالموضوعية في التعليق على المواضيع المطروحة .. ارجو مراعاة عدم استخدام الالفاظ النابية .. كما ارجو ان تتجنب الردود الانفعالية .. اعتذر عن عدم نشر التعليقات الخارجة عن الالتزام بالموضوعية و احترام الأشخاص